ويقع الكلام الآن تبعا للأساطين في وجوب المقدّمة وعدم وجوبها. وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من تأسيس الأصل فنقول :
في تأسيس الأصل في المقام :
بمعنى أنّه لو [لم] تتمّ أدلّة الطرفين فما هو مقتضى الأصل في ذلك؟ فنقول : أمّا الملازمة فليست محلّا لجريان الاصول ؛ إذ الملازمة على تقديرها ـ كعدمها على تقدير العدم ـ أزليّة ليست مسبوقة بالعدم.
وأمّا الوجوب فجريان البراءة العقليّة منه بمعنى قبح العقاب بلا بيان فليس له مجال ؛ إذ قد ذكرنا أنّه لا عقاب على ترك المقدّمة حتّى بناء على وجوبها شرعا.
وأمّا البراءة الشرعيّة واستصحاب العدم الثابت قبل وجوب ذي المقدّمة فقد اشكل عليهما بأنّ الوجوب على الملازمة من قبيل لوازم الماهيّة غير مجعول وليس له أثر مجعول فلا تجري الاصول فيه ؛ ضرورة لزوم كون موردها قابلا للجعل وللرفع والوضع ، ولوازم الماهيّة غير قابلة [للجعل]. وقد أجاب في الكفاية (١) بأنّها مجعولة بالتبع وهو كاف في جريان الاصول.
والظاهر أنّ الإيراد غير تامّ كجوابه ؛ وذلك لأنّ لوازم الماهيّة لا ربط لها بالمقام ، فإنّ الكلام في وجوب شرعي جعلي مولوي مترشّح من وجوب ذي المقدّمة ، فهما وجوبان مستقلّان غير أنّ أحدهما علّة للآخر فأين هذا من لوازم الماهيّة وأيّ ربط لها به؟ ومن هذا يظهر النظر في جواب الآخوند من قابليّتها للجعل التبعي ، فإنّ المقدّمة قابلة للجعل الاستقلالي.
وقد اشكل ثانيا بأنّ النزاع في إمكان الانفكاك بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها إثباتا إنّما يتمّ بعد إحراز إمكان الانفكاك في مقام الثبوت ، وعلى الملازمة لا
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٥٦.