يمكن الانفكاك ، فكيف يمكن التفكيك؟ ضرورة أنّ الاصول إنّما تجري في محلّ قابل للرفع والوضع ، والوجوب على تقدير الملازمة غير قابل للرفع والوضع أصلا ، ومن المحتمل تحقّق الملازمة.
والجواب : أنّ هذا الإشكال نظير الإشكال المذكور في جريان الأصل في حجّيّة الظنّ وعدمها من أنّ إجراء الأصل إنّما هو بعد إحراز الإمكان ، فمع احتمال استحالة جعل حجّيّة الظنّ ثبوتا ـ لما ذكره ابن قبة من لزوم تحريم الحلال وتحليل الحرام ـ لا يمكن جريان الأصل للنفي إثباتا.
والجواب قد ذكرناه في مباحث حجّيّة الظنّ وملخّصه : أنّ بناء العقلاء مستقرّ على العمل بالظواهر مع احتمال استحالة الجعل ، نعم لو تحقّق محاليّة الجعل لا يعملون بالظواهر ، فمع احتمال استحالة الجعل يرون تارك العمل بالظاهر متمرّدا على مولاه ، وفي المقام أيضا كذلك يعملون بالأصل من براءة أو استصحاب وإن احتملوا استحالة الجعل ولا يتوقّفون حتّى يحرز إمكان الجعل بل يعملون ما لم تحرز الاستحالة.
بقي هنا شيء وهو : أنّ المدّعي للملازمة بين الوجوبين إن ادّعاها بين الوجوبين الواقعيّين فلا كلام لنا معه ، وإن ادّعاه بين الوجوبين في جميع مراتبهما حتّى في الظاهر فالأصل ينفي قوله ؛ ضرورة تحقّق الوجوب الظاهري بالإضافة إلى ذي المقدّمة وعدم تحقّقه بالنسبة إلى نفس المقدّمة ظاهرا بمقتضى الأصل ، فيكفي الأصل في بطلان قوله.
الإيراد الثالث ـ وهو أهمّ الإيرادات ـ : أنّ الاصول الشرعيّة إنّما تجعل حيث يكون لجعلها أثر يترتّب عليه وينتفي لو لا ذلك الجعل ، والمفروض في المقام أن لا ثمرة ولا أثر يترتّب لو نفي الوجوب بحيث لو لا النفي لكان مترتّبا كلّيّة ، بل القول بالوجوب والقول بعدمه سيّان من حيث الآثار. وبهذا الإيراد الثالث نمنع من جريان الأصل في المقام لو شككنا في الوجوب وعدمه.