الثاني : ما ذكره بعضهم (١) من أنّ المقدّمة السببيّة ليست بواجبة ؛ لأنّها قبل الإتيان بها لا أمر بالمسبّب ؛ لكونه ممتنعا فمن أين يجيء الأمر الغيري ويترشّح إليها؟ وبعد الإتيان بالمقدّمة المسبّب ضروري ، فلا معنى للأمر به حينئذ ، فالمقدّمة الغير السببيّة هي الواجبة.
والجواب : أنّ ما ذكره من كون المسبّب ممتنعا قبل سببه فليس كذلك ؛ لأنّه مقدور بالواسطة ، وهذا كاف في توجّه الأمر نحوه ، وكونه ضروريّا أيضا باختياره ؛ لأنّ المكلّف أتى بسببه فصار ضروريا ، فوجوبه وامتناعه بالاختيار وهو لا ينافي القدرة والاختيار ، فلا فرق بينهما أي بين المقدّمة السببية وغيرها. نعم قد تطلق السببيّة على القيام للتعظيم مثلا فيقال : إنّ القيام سبب للتعظيم ولكنّه خارج عن محلّ الكلام ؛ إذ ليس هنا شيئان أحدهما سبب والآخر مسبّب ليقع الكلام في أنّ المقدّمة واجبة أم لا ، والتعبير بالسببيّة فيه مسامحة ، فلعلّ إنّ مراد من نفى الوجوب عن السبب أراد هذا ، فتأمّل.
التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره :
فصّل بعضهم (٢) بين الشرط الشرعي وغيره فحكم بالوجوب في الشرط الشرعي ؛ لأنّ شرطيّته منتزعة من الأمر به ، وحكم بعدم الوجوب في غير الشرط الشرعي ؛ لعدم الأمر به شرعا.
والجواب : كما في الكفاية (٣) من أنّ الشرطيّة منتزعة من الأمر النفسي بالمقيّد كانتزاع الجزئيّة من الأمر النفسي في المركّب ، والكلام في توجّه الأمر الغيري
__________________
(١) لم نعثر على القائل ونقله في أجود التقريرات ١ : ٣١٨ بلفظ : ومنهم من ذهب.
(٢) فصّله ابن الحاجب والعضدي ، راجع المختصر وشرحه : ٩٠ ـ ٩١.
(٣) كفاية الاصول : ١٥٩.