الثالث من الوجوه : أنّ المتناقضين لا ريب في عدم كون أحدهما مانعا عن الآخر ، كما لا يكون عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر ، فالمتضادّان فرع المتناقضين فكيف يكون وجود أحدهما مانعا عن الآخر مع عدم المانعيّة في الأقوى؟
ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ عدم المانعيّة إن كانت من جهة المضادّة والمعاندة تمّ عدم الفرق بين الضدّين والنقيضين ، وإن كان من جهة أنّ المقدّمية تقتضي الاثنينيّة وهو مفقود في النقيضين ؛ فإنّ عدم الوجود إذا كان مقدّمة للعدم فهو يقتضي كونه غيره والمفروض أنّه هو ، فكيف يعقل المقدّميّة وكون أحدهما مانعا عن الآخر؟ وهذا بخلاف المتضادّين فإنّ عدم البياض غير السواد فيجوز أن يقال فيه بالمقدّميّة. وبالجملة فعدم المقدّميّة في المتناقضين لا يلزم منه عدم المقدّميّة في المتضادّين.
الوجه الرابع : ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١) وهو موقوف على مقدّمة هي : أنّ العلّة التامّة تختلف أجزاؤها. فمنها : ما يسمّى بالمقتضي ، وهو ما يترشّح منه الأثر كوجود النار بالإضافة إلى الإحراق ؛ إذ الإحراق مترشّح من النار.
ومنها : ما يسمّى بالشرط ، وهو ما يكون له مدخليّة في فعليّة الأثر ، كقابليّة المحلّ في الاحتراق وكالمماسّة أيضا ، فإنّ فعليّة الأثر مستندة إليهما.
ومنها : ما يسمّى بعدم المانع ، وهو ما يكون رافعا للمزاحم كالرطوبة ، فعدم الرطوبة لا بدّ منه في تأثير النار في إحراقها ، لا بمعنى أنّ العدم مؤثّر بل بمعنى رفعه لمزاحم التأثير.
فالوجود لا بدّ فيه من وجود هذه الامور الثلاثة حتّى يتحقّق بتحقّق علّته ، إلّا أنّ العدم لا بدّ فيه من ارتفاع أحد هذه الامور الثلاثة ، إلّا أنّه إذا كان الارتفاع لعدم المقتضي ، كأن لم يوجد الإحراق لعدم النار لا يقال : إنّ الإحراق لم يتحقّق لعدم المماسّة أو للمزاحم وهو الرطوبة ، بل يهزأ ممّن يقول ذلك ، وكذا إذا لم يتحقّق
__________________
(١) فوائد الاصول ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، وأجود التقريرات ٢ : ١١ ـ ١٢.