بقي الكلام في فرعين :
أحدهما جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر و [ثانيهما](١) الصوم في السفر ، فإنّهما ليسا في أنفسهما راجحين فكيف ينعقد النذر بالنسبة إليهما؟ فهل يكونان مخصّصين لاعتبار رجحان المنذور أو أنّ الرجحان من قبل تعلّق النذر بهما كاف ، كما في الوعد فإنّ متعلّقه إذا لم يكن في نفسه راجحا إلّا أنّ تحقّق الوعد به يصيّره راجحا. فالإحرام قبل الميقات والصوم في السفر في نفسهما ليسا راجحين إلّا أنّ تعلّق النذر بهما يصيّرهما راجحين كما ذهب إلى ذلك السيّد الطباطبائي في عروته (٢) ، وقد أشكل عليه الميرزا النائيني (٣) بأنّ كلّ شيء وإن كان مرجوحا يجوز أن ينذر بناء على ذلك ؛ لأنّه بمجرّد نذره يكون راجحا ، ويكفي الرجحان من قبل النذر حسب الفرض فيكون حينئذ اشتراط الرجحان لغوا.
ولا يخفى أنّ ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره غير وارد ؛ لأنّ حرمة الكذب مثلا مطلقة بمقتضى الدليل المثبت لها فهو محرّم قبل تعلّق النذر به وبعد تعلّق النذر به فلا يكون تعلّق النذر به كاشفا عن رجحانه ، وهكذا غير الكذب من المحرّمات ، وهذا بخلاف الإحرام قبل الميقات والصوم في السفر فإنّ إطلاق دليل تحريمهما قد قيّد بما إذا لم ينذر ، فإذا وقع متعلّقا للنذر لا يكون حينئذ محرّما ومرجوحا بمقتضى هذه الأخبار الخاصّة بها (٤). نعم لو ورد في غيرهما دليل يدلّ على رجحان محرّم آخر حيث يتعلّق به النذر لكان مقيّدا لإطلاق تحريمه أيضا إلّا أنّه ليس فليس. هذا كلّه حيث يكونان معا مشترطين بالقدرة الشرعيّة.
__________________
(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) العروة الوثقى : كتاب الحجّ ، فصل في أحكام المواقيت ، المسألة ١.
(٣) انظر فوائد الاصول ١ و ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٢.
(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٦ ، الباب ١٣ من أبواب المواقيت.