[القسم الأول من موارد الترتب : تزاحم الواجبين]
إذا تزاحم واجبان فإن تساويا بحسب الملاك ولم يكن أحدهما أهمّ من الثاني فيتخيّر المكلّف حينئذ في الإتيان بأيّهما شاء ، وإن كان أحدهما أهمّ فلا ريب في لزوم تقديم الأهمّ ، إلّا أنّ الكلام في أنّ تقديم الأهمّ يوجب سقوط خطاب المهمّ رأسا ، بحيث لو أتى به لم يكن إتيانا بواجب ، أو أنّ تقديم الأهمّ إنّما يوجب سقوط إطلاق خطاب المهمّ لا نفسه فيكون الأهمّ باقيا على إطلاقه فلو تركه عوقب على كلّ حال ، ويكون أمر المهمّ مشروطا بترك الواجب الأهمّ ، ولو ترك المهمّ بعد ترك الأهمّ فقد ترك واجبا ؛ لحصول شرط وجوبه وهو ترك الأهمّ.
ولا يخفى أنّ الترتّب إذا ثبت إمكانه لا يحتاج وقوعه إلى دليل آخر ؛ لإطلاق دليل كلا الواجبين ، وإنّما يرفع اليد عن إطلاقهما بالقدر الذي لا بدّ منه وهو الذي يستحيل من جهته بقاء الإطلاق ، فكلّما أمكن الترتّب فهو واقع ؛ لحصول دليل وقوعه وتحقّقه ، وإنّما المانع من الأخذ به الاستحالة فإذا فرض أنّه ليس بمستحيل فلا مانع من الأخذ بالإطلاق.
[في إمكان الترتّب وعدمه] :
وكيف كان ، فالقائل بالترتّب في الواجبين المتزاحمين لا بدّ له من مقدّمات لا بأس بالتعرّض لها :
المقدّمة الاولى : أنّ الساقط من جهة المزاحمة هو إطلاق خطاب المهمّ لا أصله ؛ لأنّ الموجب للتزاحم ليس صرف وجود الأمر بالأهمّ وإنّما الموجب للتزاحم هو امتثال الأمر ؛ إذ حينئذ يعجز عن إتيان الواجب الآخر ، وإلّا فصرف وجود الأمر بالواجب لا يعجز عن الواجب الآخر ، وحينئذ فشرط فعليّة الأمر بالمهمّ إنّما هو عصيان الأمر بالأهمّ فيقيّد إطلاق خطاب المهمّ بصورة عصيان الأمر بالأهمّ فيكون الأمر بالأهمّ مطلقا والأمر بالمهمّ مشروطا بعصيان الأمر بالأهمّ.