وأتى بالمهمّ فيعاقب حينئذ على ترك الأهمّ ، وإن أتى بالأهمّ وترك المهمّ فلا عقاب ، أمّا على الأهمّ فلفرض إتيانه به ، وأمّا على المهمّ فلعدم فعلّية تكليفه ؛ لعدم شرطه وهو ترك الأهمّ وإن تركهما فيعاقب على ترك الأهمّ وعلى ترك المهمّ أيضا ؛ لتحقّق شرطه وهو ترك الأهمّ حينئذ فيعاقب بعقابين.
وتوهّم أنّه ليس له إلّا قدرة واحدة فهو لا يقدر على المهمّ والأهمّ معا فكيف يعاقب عليهما؟ مندفع بأنّ ترك الأهمّ موجب للعقاب ، وترك المهمّ في فرض ترك الأهمّ مقدور ؛ لأنّه حينئذ يمكنه أن يفعل المهمّ وأن يتركه ، فالعقاب في الحقيقة على الجمع في الترك لا على ترك الجمع ليقال إنّه غير مقدور ، فإنّ الجمع في الترك مقدور وعدمه أيضا حينئذ ـ أي حين ترك الأهمّ ـ مقدور ، فالعقاب في المهمّ على ضمّ تركه إلى ترك الأهمّ.
وقد وقع نظير هذا في الشريعة المقدّسة في الواجبات الكفائيّة التي لا يمكن أن يقوم بها إلّا واحد ، فإنّه لو ترك الجميع فعقاب بعض معيّن من المكلّفين ترجيح من غير مرجّح والبعض الغير المعيّن لا وجود له ، فيعاقب الجميع مع كون الجميع غير قادرين عليه ، فليس العقاب إلّا على الجمع في الترك وضمّ تركه إلى ترك بقيّة المكلّفين مع كونه عند ترك غيره قادرا على أن يقوم بهذا الواجب فيعاقب على ترك هذا القيام وضمّ تركه إلى ترك بقيّة المكلّفين فيعاقب كلّ من المكلّفين على ذلك وهذا بحسب الظاهر واضح جدّا.
التنبيه الثاني :
إنّ إمكان الترتّب كافل بوقوعه ؛ لأنّ المفروض إطلاق الأمر في كلّ من الواجبين ، وحيث يستحيل بقاء الأمرين معا على الإطلاق فلا بدّ من عمل يرفع الاستحالة ، فرفع إطلاق خطاب المهمّ إذا كان كافيا في رفع الاستحالة فلا بدّ من تقييده بالعصيان للأهمّ فإذا جاز ذلك وقع ؛ لفرض رفع اليد بمقدار ترتفع المحاليّة عقلا فلا موجب حينئذ لسقوط خطاب المهمّ ؛ لعدم ضرورة تقتضي ذلك.