بالترك ، فاعتبار العصيان حينئذ لا داعي له ، والتعبير فيما تقدّم بالعصيان إنّما هو لغلبة كون الترك به لا لأنّ له موضوعيّة ، بل لا بدّ من كون القيد هو مطلق الترك ؛ ضرورة صحّة الصلاة لو لم يعلم بالنجاسة أو كان مضطرّا إلى تركها ، ضرورة صحّة صلاته حينئذ مع عدم تحقّق العصيان قطعا.
فالإنصاف أنّ ما ذكره كاشف الغطاء قدسسره متين من هذه الجهات وإن كان ليس من الترتّب في خصوص هذين المثالين إلّا أنّه ليس من جهة عدم الإمكان ، بل من جهة عدم الوقوع ، فإنّ لازم الترتّب كما قرّرنا استحقاق عقابين عند تركهما معا مع أنّه لو تركهما معا ليس عليه إلّا عقاب واحد في المقام.
والسرّ في ذلك أنّ شرطيّة القصر في السفر والجهر والإخفات شرطيّة علميّة ، ففي حال الجهل لا وجوب للمتروك وحينئذ فهو غير مأمور به ولا يستحقّ عقابا على تركه ؛ لظاهر الأخبار من قوله عليهالسلام : وقد تمّت صلاته (١) ، فإنّ ظاهرها كون هذه الصلاة هي المأمور بها دون الفائتة أصلا.
التنبيه الخامس :
إنّا قد ذكرنا فيما تقدّم أنّه لا نحتاج إلى الترتّب حيث يكون المهمّ موسعا ؛ إذ لا معارضة إلّا بين إطلاق خطاب المهمّ وخطاب الأهمّ إن قلنا بتعلّقه بالأفراد ، وإن قلنا بتعلّقه بالطبيعة فلا معارضة ؛ ضرورة أنّ المزاحمة حينئذ بين الإزالة مثلا وفرد من الصلاة ، والفرد غير مأمور به كما ذكره المحقّق الثاني قدسسره (٢) فما هو مزاحم غير مأمور به ليقع التزاحم بين الأمرين ، والطبيعة لا تزاحم الإزالة ، فإذا تحقّق الفرد كان الانطباق قهريّا والسقوط عقليّا.
نعم ، حيث يكون المهمّ مضيّقا لا بدّ من القول بالترتّب حتّى يتحقّق الأمر حينئذ ، وقد تقدّم بعض الكلام ممّا يناسب المقام ، فتأمّل.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٧٦٦ ، الباب ٢٦ من أبواب القراءة ، الحديث الأوّل.
(٢) انظر جامع المقاصد ٥ : ١٣ ـ ١٤.