في الوجوب الكفائي وتصويره
كما ذكرنا في الفصل السابق أنّ ملاك الحكم والتكليف قد يكون متعلّقا بشيء معيّن يكون التخيير بين أفراده عقليّا ، وقد يكون متعلّقا بشيء يحصل بأحد امور فيؤمر بالجامع ويكون التخيير شرعيّا بين أفراد الجامع الانتزاعي ، فيسمّى الأوّل بالواجب التعييني ، والثاني بالواجب التخييري.
كذلك قد تقوم المصلحة بصدور فعل من كلّ فرد فرد من المكلّفين ، وتكون المصلحة في أن يعمل كلّ واحد من المكلّفين هذا العمل بنحو تكون المصالح متماثلة ، وقد اصطلح على ذلك بقيام المصلحة بمطلق الوجود أينما سرى.
وقد تكون المصلحة قائمة بصدور هذا الفعل من مكلّف بنحو صرف الوجود بلا أن يكون هناك غرض وخصوصيّة بمكلّف خاصّ. فالأوّل يسمّى بالوجوب العيني ، والثاني يسمّى بالكفائي.
ومن هنا ظهر أنّ الواجب الكفائي لو تركه جميع المكلّفين لكانوا جميعا مستحقّين للعقاب ؛ لأنّ كلّ فرد منهم قد توجّه التكليف إليه بما أنّه فرد من أفراد المكلّفين وقد ترك. ولو أتى به أحدهم كان ممتثلا ، وحينئذ يسقط الوجوب عن الجميع وإن لم يستحقّ الثواب غير ذلك الممتثل ، وهذا بحسب الظاهر واضح.
وقد أنكر بعضهم الواجب الكفائي وزعم أنّ كلّ ما يتصوّر أنّه من قبيل الواجب الكفائي فهو واجب عيني غير أنّه مشروط بترك بقيّة المكلّفين له (١).
وقد ارتضاه ثبوتا الميرزا النائيني قدسسره إلّا أنّه زعم أنّ الأدلّة في مقام الإثبات
__________________
(١) انظر هداية المسترشدين ٢ : ٣٧٢ ، فإنّه استظهره من الأصحاب وقال : بل المحكيّ عنهم في ذلك ...