المغصوب المجهول غصبيّته دعوى الإجماع على ذلك (١) ، إلّا أنّ الكلام كلّ الكلام في وجه هذه الفتيا ، فإنّ مقتضى تقديم جانب النهي خروج المجمع عن إطلاق الأمر فهو غير مأمور به ، فهو نظير ما إذا ورد : «أكرم العالم» و «لا تكرم الفاسق» فيما لو قدّمنا «لا تكرم الفاسق» ثمّ نسي فأكرم عالما فاسقا فهل يتوهّم أحد أنّه امتثل بهذا الفرد أمر أكرم العالم؟ كلّا فإنّ مقتضى تقديم النهي خروج المجمع عن إطلاق الأمر.
وقد ذكر لذلك وجهان :
أحدهما : ما في الكفاية من كفاية الملاك فإنّه إنّما خرج عن إطلاق الأمر ، وأمّا ملاكه فباق على ما كان فتصحيحه بملاكه (٢).
والجواب :
أوّلا : أنّا إنّما نحرز الملاك بتوجّه الأمر ، فإذا قيّد الأمر فمن أين نحرز أنّ المجمع ذو ملاك مع خروجه عن إطلاق الأمر.
وثانيا : أنّ وجود الملاك وإن سلّمناه إلّا أنّ هذا الملاك مغلوب بمفسدة أقوى قدّم النهي على الأمر لأجلها ، وإنّما يجدي الملاك حيث لا يكون مزاحما كما في الضدّ بناء على عدم صحّة الترتّب ، وأمّا حيث يزاحم كما في المقام فلا.
الوجه الثاني : أنّ تقييد الأمر في المقام إنّما كان بحكم العقل فيقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو صورة العلم والعمد ، وأمّا في غيرها فلم يعلم التقييد. وهذا بخلاف المخصّص اللفظي فإنّه لا يختصّ بخصوص حال العلم والعمد ، لإطلاقه المفقود في الدليل العقلي كما في المقام.
والجواب : أنّ هذا الكلام متين حيث يكون المقام من مقامات التزاحم بين الواجبين التي يكون المانع عن الإتيان بكلّ منهما عدم القدرة ، فلو جهل أحد
__________________
(١) مفتاح الكرامة ١ : ٣٠٣.
(٢) انظر كفاية الاصول : ١٩٢.