عليه كان الكلام السابق من صحّة الصلاة من جهته متّجها ، إلّا أنّه قد اعتبر فيه الوضع الذي قد اخذ الاعتماد في مفهومه ، والاعتماد تصرّف في الأرض المغصوبة فيكون متّحدا مع الحرام ، فالصلاة متّحدة مع الحرام في الهويّ والاعتماد فتكون من موارد اجتماع الأمر والنهي ، وتكون الصلاة حينئذ باطلة من هاتين الجهتين. وأمّا لو خلت الصلاة من هاتين الجهتين ـ كما إذا كانت إيمائيّة بالعين ـ فهي بمقتضى هذا الكلام صحيحة ؛ لعدم اتّحادها مع عمل منهيّ عنه ، بل هي مقارنة ، فتأمل (*).
هذا كلّه حال العالم ، وأمّا الجاهل بغصبيّة المكان فظاهر الأصحاب الحكم بصحّة صلاته ، بناء على ما تقدّم من زعمهم أنّ باب اجتماع الأمر والنهي من باب المزاحمة المرتفعة بجهل التحريم ، وحيث ذكرنا أنّها ليست من باب التزاحم ، وأنّها من باب التعارض فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة حتّى في صورة الجهل أيضا ، إلّا أنّ الكلام في أنّ حديث : «لا تعاد» ، يقتضي صحّة الصلاة أم لا؟
وتفصيل الكلام في ذلك : أنّ حديث : «لا تعاد» دلّ على صحّة الصلاة حيث يكون المفقود من أجزاء الصلاة غير الخمسة ، ودلّ على بطلانها حيث يكون المفقود أحد الخمسة ، إلّا أنّ الكلام في أنّ الركوع والسجود اللذين تبطل الصلاة بنقصانهما هل هما طبيعة الركوع والسجود أو خصوص ما كان منهما جزءا صلاتيّا مأمورا به؟ والظاهر هو الثاني ؛ لأنّ الإمام في صدد بيان أجزاء الصلاة وشرائطها المفقودة ، وقد استثنى الركوع والسجود وظاهر الاستثناء كونه متّصلا ، وحينئذ فلا يجري حينئذ حديث : «لا تعاد» (١) لأنّ هذه الصلاة قد فقدت الركوع الشرعي والسجود الشرعي ، وفقدهما ممّا يوجب الإعادة بحكم الاستثناء. ولو تنزّلنا عن دعوى
__________________
(*) أشار بالتأمّل إلى أنّ التصرّف أمر عرفي ولا ريب في صدقه بالصلاة وإن كانت إيمائيّة. (الجواهري).
(١) الوسائل ٣ : ٢٢٧ ، الباب ٩ من أبواب القبلة ، الحديث الأوّل.