بقي الكلام في توجيه ما استدلّ به بعضهم على الجواز : من توجّه النهي التنزيهي في العبادات قطعا ، والوقوع أدلّ دليل على الإمكان ، وتضادّ الأحكام مشترك بين الخمسة ، فما ذكر ليس إلّا برهانا في قبال الوجدان يرمى به عرض الجدار (١).
والجواب إجمالا : فباشتراك الإيراد بين القائلين بالجواز والقائلين بالامتناع في الإيراد ؛ لأنّ نوعها ممّا توجّه الأمر والنهي فيه بعنوان واحد ولا يلتزم به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع.
وتفصيلا : أنّ هذه الموارد على أنحاء ثلاثة :
الأوّل : ما توجّه الأمر فيه إلى عنوان والنهي فيه إلى عنوان آخر بينهما عموم من وجه ـ كمورد اجتماع الأمر والنهي ـ غير أنّ النهي تنزيهي لا تحريمي.
الثاني : ما توجّه النهي فيها إلى نفس ما توجّه إليه الأمر وليس له بدل شرعي ، كقوله : لا تصم يوم عاشورا ، ولا تصلّ عند طلوع الشمس وغروبها.
الثالث : نفس القسم إلّا أنّه له بدل كقوله : لا تصلّ في الحمّام.
أمّا الكلام في القسم الأوّل فنقول :
إنّه تارة يكون المأمور به مغايرا للمنهيّ عنه ؛ ويكونان وجودين متأصّلين أو متأصّلا وانتزاعيّا ومنشأ انتزاعه مغاير للمتأصّل ، أو انتزاعيّين ومنشأ انتزاع كلّ منهما مغاير لمنشا انتزاع الآخر ، وقد عرفت أنّه لا مانع من توجّه الأمر والنهي التحريمي في مثله فضلا عن التنزيهي.
واخرى يكون المأمور به متّحدا مع المنهيّ عنه ، لأنّ وجودهما المتأصّل واحد ، أو لكون منشأ انتزاعهما واحدا ، أو لكون الوجود المتأصّل هو المنشأ للانتزاع للثاني ، وهذا القسم قد عرفت امتناع توجّه الأمر والنهي فيه حيث يكون النهي تحريميّا.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٢ : ١٧١.