ذكر الميرزا النائيني قدسسره في المقام كلاما اختار فيه الثاني ملخّصه : أنّ المنطقيّين لبنائهم على البراهين الغير القابلة للتخلّف ذكروا أنّ السالبة الكلّية نقيضها الموجبة الجزئيّة ، ولكنّ الاصوليّين لبنائهم على الأخذ بمفاهيم الألفاظ وظهوراتها وإن لم تساعدها البراهين المنطقيّة فلا تنافي بين كون السالبة الكلّية موجبة جزئيّة ولكن ظهورها في ثبوت الموجبة الكلّية عند انتفاء ذلك الشرط المأخوذ فيها ، وحينئذ فالحكم العامّ في الخبر بما أنّه ينحلّ إلى عدم تحقّق النجاسة بملاقاة البول وإلى عدم تحقّق النجاسة بملاقاة الدم ... إلى آخر النجاسات ، فالمعلّق على الكرّية هو نفي كلّ واحد واحد من التنجّسات ؛ إذ المعلّق هو ثبوت عدم الحكم بالتنجيس على ملاقاة كلّ واحد واحد من النجاسات ، فيكون المفهوم أيضا كلّيا ، فيكون المعنى ينجّسه كلّ واحد من النجاسات إن لم يكن قدر كرّ.
ثمّ ذكره قدسسره أنّ في خصوص هذا المثال لا تترتّب ثمرة عمليّة ؛ لأنّه إذا ثبت أنّ غير الكرّ يتنجّس بنجاسة ما ، فبعدم القول بالفصل بين ذلك الفرد وبقيّة الأفراد يتمّ المطلوب. ثمّ أورد على نفسه بظهور الثمرة بملاقاة المتنجّس ، فإن كان المفهوم موجبة كلّية يثبت التنجيس وإلّا فلا. وأجاب بأنّه ليس المراد من الشيء عموم الشيء بل عموم النجاسات من الأعيان النجسة ، وأمّا المتنجّس فيلحظ دليله فإن كان يقتضي نجاسة الملاقي فلا حاجة إلى المفهوم ، وإن لم يقتض النجاسة فلا يتنجّس الملاقي لعدم دخول المتنجّس في عموم الحكم (١).
أقول : لا يخفى أنّ الحكم المنشأ في القضيّة واحد بحسب الدلالة ، وانحلاله إلى الأفراد الكثيرة لا يوجب كون الحكم المنشأ أحكاما كثيرة ؛ إذ اللفظ إذا كان واحدا كما في المقام فالمعنى أيضا واحد ، وحينئذ فالمفهوم هو نفي ذلك الحكم الثابت في المنطوق ، فيكون المفهوم في الرواية أنّه إذا لم يبلغ كرّا ينجّسه شيء ، وهو وإن كان
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٨.