الأكثر مشكوك منفيّ بالبراءة. ومقتضى الأصل العملي في الثانية هو لزوم الإتيان بالكفّارة ثانيا أيضا ؛ لأنّه مقتضى الاستصحاب لشغل الذمّة. هذا كلّه في الأحكام التكليفيّة ، وأمّا الوضعيّة فقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره عدم ضابط كلّي لها وأنّها يراعى فيها مناسبات الموارد (١) ولم نعلم معنى محصّلا لهذا الكلام ، فإنّ الأحكام الوضعيّة كالتكليفيّة فحيث يشكّ في حدوث سببين للضمان مثلا الأصل هو الواحد لأنّه متيقّن ، بخلاف تداخل المسببات فإنّ الأصل عدم حصول مبرئ الضمان بأداء أحد الضمانين ، هذا كلّه في الأصل العملي.
وأمّا ما يستظهر من الأدلّة فقبل الخوض فيه يذكر أمران :
أحدهما : أنّ الجزاء لا بدّ أن يكون قابلا للتعدّد حقيقة أو حكما ، بيان ذلك : أنّ الجزاء قد يكون قابلا للتعدّد حقيقة كما في قولك : «أكرم زيدا إن جاءك» فإنّ الإكرام قابل للتعدّد حقيقة. وقد لا يكون قابلا للتعدّد كحقّ الفسخ بالخيار فإنّه غير قابل للتعدّد ؛ لأنّ حقّ الفسخ أمر واحد والعقد لا يفسخ مرّتين إلّا أنّ له حكم التعدّد فحيث تجتمع الخيارات فالخيارات بالإضافة إلى الحيثيّات التي تحقّق الخيار من جهتها محكومة بالتعدّد فتترتّب أحكام جميعها على تقدير اختلافها في الأحكام ، ومن هذا الباب حقّ القصاص إذا كان الشخص قاتلا لاثنين فمع عفو الأوّل وقبوله الدية للثاني حقّ القصاص. وقد لا يكون قابلا للتعدد لا حقيقة ولا حكما ، ولكنّه قابل للتأكّد كما في الوجوب ، فإنّ توجّه الوجوب مرّتين نحو طبيعة واحدة لا يمكن إلّا بتقييد الثاني بنحو «مرّة اخرى» إلّا أنّ الوجوب قابل للتأكّد. وقد لا يكون قابلا حتّى للتأكّد كما في الماء إذا تنجّس بالبول فإنّ إصابة البول له ثانيا لا توجب تأكّد النجاسة. وكيف كان فهذان القسمان خارجان عن محلّ الكلام.
__________________
(١) راجع أجود التقريرات ٢ : ٢٦٤.