الثاني : أنّه ربّما يبنى الكلام في تداخل الأسباب وعدمه على أنّ الأسباب الشرعيّة أسباب أم معرّفات ، فعلى الأوّل لا تداخل ، وعلى الثاني فالتداخل جائز (١) ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ كون الأسباب الشرعيّة من باب الأسباب لا معنى له فإنّ الكفّارة لا يحدثها الإفطار ، وإنّما يحدثها أمر الشارع بها فليس الإفطار سببا ، فليس علّة موجدة ولا علّة غائيّة ؛ لأنّ العلّة الغائيّة فيها هي المصالح المترتّبة عليها. كما أنّ كونها معرّفات بمعنى أنّها تكون معرفة عن موضوع الحكم بحيث يكون الحكم الشرعي عندها ؛ لأنّ عند الزوال مثلا يقترن الكوكب الفلاني مع الكوكب الفلاني ووجوب صلاة الظهر من تلك الجهة ، وقد جعل الزوال معرّفا لذلك خلاف ظاهر الأدلّة الشرعيّة ، فإنّ ظاهر الأدلّة الشرعيّة كون المأخوذ في الحكم هو نفس الموضوع. فالظاهر أنّ ما ذكر ونسب إلى فخر المحقّقين (٢) ليس هو الميزان في التداخل وعدمه ، وإنّما الميزان أنّ الجملة الشرطيّة لها ظهوران : أحدهما : الحدوث للجزاء عند حدوث الشرط ، الثاني : أنّه بما أنّ الطبيعة الواحدة لا يمكن أن يتوجّه الأمر نحوها مرّتين إلّا إذا حصّصت ، وإلّا لزم اجتماع المثلين وهو محال فلا بدّ عند توجّه أمرين من فرض تحصّصها بحصّتين يكون كلّ أمر متّجها نحو حصّة. وحينئذ فظهورها في كون الوجوب متّجها نحو الطبيعة من غير تحصّص مع ظهورها في الحدوث عند الحدوث لا يمكن ، فلا بدّ من رفع اليد عن أحدهما فيقع الكلام في ذلك ، ويكون هذا هو مبنى المسألة.
إذا عرفت هذين الأمرين فيقع الكلام فيما يستظهر من الأدلّة بعد أن عرفت أنّ مقتضى الأصل العملي هو وحدة التكليف لأصالة البراءة من التكليف الثاني ، فنقول : إنّ محلّ الكلام هو ما إذا كان السبب قابلا للتعدّد ، أمّا ما لا يقبل التعدّد مثل
__________________
(١) انظر المنتهى ١ : ١٠٧ ، والمسالك ١ : ١٩٩ ، وعوائد الأيام : ٢٩٤ وغيره.
(٢) انظر الإيضاح ١ : ٤٨.