إذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّه إذا ورد «أكرم كلّ عالم» فقد تحقّقت الإرادة الجدّية بعد الإرادة الاستعماليّة وأصبح العامّ حجّة في جميع أفراده ، فإذا ورد «لا تكرم شارب الخمر» مثلا وشككنا أنّ زيدا شرب الخمر أم لا فالكبرى وحدها لا تجدي ما لم يحرز انطباقها ، فإذا لم يحرز الانطباق فلا تجدي الكبرى ولكن هذا الفرد كان داخلا تحت العموم صغرى وكبرى فيكون العموم حجّة فيه ، إذ لم تزاحمه حجّة اخرى ، وهذا عين ما قدّمناه في الشبهة المفهوميّة.
ولا يخفى أنّ استثناء شارب الخمر بالدليل المنفصل لا يجتمع مع تحقّق الإرادة الجدّية للعموم ، إذ يستحيل جعل حكم للعموم بسريانه ثمّ جعل حكم مضادّ له لبعض أفراد ذلك العامّ ، فلا بدّ من رفع اليد عن أحدهما ، وبما أنّ الخاصّ أظهر يرفع اليد عن عموم العامّ بالنسبة إلى ذلك الفرد. فإذا تردّد الفرد بين كونه فردا للخاصّ أم لا فقد تردّد بين كونه مرادا بالإرادة الجدّية المتحقّقة للعموم أم لا ، وحينئذ فيشكّ في حجّية العامّ بالإضافة إلى هذا المصداق الخارجي.
وما ذكر : من كون العامّ حجّة فيه دون المخصّص لعدم إحراز الصغرى (١) خلط بين معاني الحجّية ، فإنّها قد تطلق الحجّية ويراد بها التنجّز ، ولا ريب في توقّفها على إحراز الصغرى والكبرى ؛ وقد تطلق الحجيّة ويراد بها قاطع العذر من الدليل الشرعي في مقام الفتيا ، ولا ريب في عدم توقّفه على إحراز الصغرى ، ضرورة كون الحكم في مقام الفتيا إنّما يحمل على المواضيع المقدّر وجودها وليس لها نظر إلى تحقّقها خارجا وعدمه.
لا يقال : كما يكون الخاصّ في الشبهة المصداقيّة معنونا للعامّ فيصير العامّ مجملا من ناحية انطباقه على المصداق الخارجي كذلك في الشبهة المفهوميّة.
__________________
(١) انظر مطارح الأنظار ٢ : ١٤٨ ، وأجود التقريرات ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢١.