فإنّه يقال : إنّ المخصّص في الشبهة المفهوميّة إنّما يعنون العامّ بمقدار ما هو حجّة فيه وليس حجّة بالإضافة إلى ما زاد على مرتكب الكبيرة في المثال المتقدّم ، فإذا لم يكن حجّة فيما زاد فعنوانه للعامّ بخصوص المتيقّن ، فكأنّ المولى قال : «أكرم العلماء الّذين لا يرتكبون الكبائر» ويبقى عموم العامّ والإرادة الجدّية بالإضافة إلى الباقي غير معارضة بأقوى أصلا ؛ ولأنّ المخصّص لا بدّ وأن يكون مقيّدا لموضوع العام ومبيّنا للمراد بالإرادة الجدّية منه يكون نتيجة التخصيص هو الحكومة ، غاية الأمر أنّ الحكومة المصطلحة هي أن يكون تفسير المراد مدلولا بالدلالة اللفظيّة وهنا بنتيجتها.
وقد استدلّ للتمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة بقاعدة المقتضي والمانع بدعوى أنّ العلم لشرفه مقتض لوجوب الإكرام وأنّ الفسق لانحطاطه مانع عنه ، فإذا احرز المقتضى في فرد وشكّ في المانع يجب إكرامه ، لبناء العقلاء على أصالة عدم المانع (١).
والجواب : أنّ هذا الدليل ممنوع صغرى وكبرى.
أمّا الكبرى فقاعدة المقتضي والمانع لم يثبت لها أساس في الشريعة المقدّسة لا تعبّدا ولا ببناء العقلاء ، وسيأتي التعرّض لها في الاستصحاب إن شاء الله تعالى.
وأمّا الصغرى فليس مثال المخصّص المنفصل منحصرا بهذا المثال ، بل يجوز أن يكون المخصّص بلسان «وليكن العلماء عدولا» بعد قوله «أكرم العلماء» بمدّة وغير هذا المثال ممّا لا يكون مجرى لقاعدة المقتضي والمانع.
بقي الكلام في صحّة ما نسب إلى المشهور من تمسّكهم بالعموم في الشبهات المصداقيّة وعدم صحّته ، فإنّ من نسب ذلك إليهم إنّما استند إلى بعض فتاويهم.
__________________
(١) انظر معارج الاصول : ٩٩ و ٢٠٧.