فزعم أنّه حكمة الجعل ولا يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، ومن هنا لم يسر حكم كثير الشكّ لغير الوضوء والصلاة ؛ لأنّ مورد الروايات هو ذلك فقط (١).
والظاهر أنّ الإنصاف عدم الفرق بين المثالين ؛ لأنّ العرف يفهم منهما كون العلّة مدارا للحكم وجودا وعدما ولا يرى تفاوتا أصلا. نعم في بعض الموارد لا يفهم العرف ذلك مثل قوله : «ناولني تلك الرمّانة لكبرها» فإنّه لا يفهم رغبة الشخص في كلّ ما هو أكبر ، ولهذا لو عبّر بقوله : «لأنّها أكبر» كان الحكم كذلك أيضا ، فلا يفرق بين المثالين أصلا.
الثاني من قسمي مفهوم المساواة : ما قطع فيه بمناط الحكم ، وهذا نادر التحقّق إذ المناط قلّما يقطع به ، فإذا لم يقطع به كان من أظهر أنحاء القياس وهو تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، وليس من مذهبنا القياس. فإذا تحقّقت هذه الأقسام يقع الكلام في أنّ أيّا منها يقدم على العموم.
وربّما يقال بأنّ المفهوم غير قابل لأن يتصرّف فيه ؛ لأنّه لازم عقلي للمنطوق. فالتصرّف فيه مع بقاء المنطوق على حاله غير ممكن ، ومع التصرّف في المنطوق وإن كان ممكنا إلّا أنّ التصرّف في المنطوق حينئذ أيضا غير ممكن لعدم المعارضة مع المنطوق ، فهو رفع لليد عن الدليل الشرعي من غير معارض له فلا بدّ من التصرّف بالعموم لإمكانه. ولا يفرق في ذلك بين كون المفهوم أخصّ مطلقا أو من وجه أو غير ذلك ، لسراية المانع في الجميع.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ المفهوم حيث يستفاد من المنطوق يكون لازما له نظير زوجيّة الأربعة فنفيه ، ـ يعني المفهوم ـ نفي للمنطوق كما أنّ نفي الزوجيّة مستلزم لنفي الأربعة قطعا ، وعلى هذا بني القياس الاستثنائي في المنطق ، وحينئذ فمعارض المفهوم معارض للمنطوق نفسه. وحينئذ فالتصرّف في المفهوم مستقلّا وإن كان غير ممكن
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٨٠ ـ ٣٨١.