ومن هنا ظهر أنّ ما ذكره الشيخ الأنصاري : من كون المفهوم حاكما على العمومات المانعة عن اتّباع الظنّ دون عموم التعليل المذكور في الآية لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة (١) لا يخلو عن تأمّل.
هذا كلّه إذا كان المفهوم أخصّ ، أمّا إذا كان بين المفهوم والعموم عموم من وجه كما في مثل أخبار الجاري وأخبار عدم انفعال الكرّ فإنّ قوله عليهالسلام : ماء النهر يطهّر بعضه بعضا (٢) وغيرها (٣) بعمومه وإطلاقه يقتضي طهارة الماء الجاري مطلقا قليلا كان أم كثيرا ، ومقتضى مفهوم : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء (٤) ، نجاسة القليل بملاقاة النجاسة وإن كان جاريا ، ففي الجاري القليل يقع التعارض ، فإن كان أحدهما كالعموم بالوضع والمفهوم بمقدّمات الحكمة قدّم العموم قطعا ، لكونه أقوى. وإن كان العموم بمقدّمات الحكمة كما في المثال المزبور فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الموجودة ، وهي في المقام لأخبار الجاري ؛ لأنّه لو قدّم أدلّة الانفعال خرج عنوان الجاري عن كونه عنوانا إلى اللغويّة. ومع انتفاء المرجّحات يرجع إلى عموم أعلى بعد تساقطهما في مورد الاجتماع ، ومع عدم عموم أعلى يرجع إلى الاصول العمليّة حينئذ. وبالجملة يكون من صغريات تعارض العموم من وجه.
في تعقّب العمومات بالاستثناء
إذا تعقّب الاستثناء عمومات متعدّدة مثل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً
__________________
(١) انظر مطارح الأنظار ٢ : ٢١٥ ـ ٢١٦.
(٢) الوسائل ١ : ١١٢ ، الباب ٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧ وفيه : ماء الحمام كماء النهر ...
(٣) انظر الوسائل ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق.
(٤) الوسائل ١ : ١١٧ ـ ١١٨ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الأحاديث ١ و ٢ و ٦.