في دوران الأمر بين التخصيص والنسخ
إذا ورد عامّ وخاصّ فإمّا أن يقترنا ولا ريب في التخصيص حينئذ ، وإمّا أن يتقدّم العامّ ويتأخّر الخاصّ أو يتقدّم الخاصّ ويتأخّر العامّ ، وفي كلّ منهما إمّا أن يكون المتأخّر واردا قبل حضور وقت العمل بالتقدّم أو بعده ، وقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره أن جميع هذه الصور يتقدّم فيها التخصيص ، وحينئذ فلا مورد يتردّد بين النسخ والتخصيص ليتكلّم في حكمه ؛ إذ جميع الصور المحتملة لا تخلو عن الحكم بالتخصيص ، فلا مجال للنسخ أصلا (١) ولا بدّ من التكلّم في هذه الصور الأربعة المذكورة ليتّضح الحال فنقول :
أمّا الصورة الاولى : وهي صورة ورود الخاصّ قبل حضور وقت العمل بالعامّ فالظاهر أنّه لا بدّ أن يكون الخاصّ مخصّصا للعامّ ، ويستحيل فيه النسخ ؛ إذ المراد بالنسخ نسخ الحكم الحقيقي ، والنسخ للحكم إنّما يكون بعد حضور وقت العمل بالعامّ بالإضافة إلى ذلك الفرد. فإذا فرض أنّ ذلك الفرد لم يحضر وقت عمله فما فائدة جعل الحكم له؟ إذ جعل الحكم لا بدّ أن يكون لمصلحة ، ومثل هذا الحكم لا يمكن أن يجعل ثمّ ينسخ من قبل العالم بالغيب. نعم يمكن من الجاهل إذا تخيّل أنّ في هذا الجعل مصلحة ثمّ انكشف له أن لا مصلحة ، أمّا محلّ كلامنا وهو العليم بكلّ شيء فلا يمكن في حقّه ذلك إلّا بعد حضور وقت العمل به ولو دفعة واحدة لتكون المصلحة التي جعل الحكم من أجلها منوطة بتلك الدفعة ثمّ تنتفي فنسخ الحكم دواما ، لانعدام مصلحته.
وللميرزا النائيني قدسسره (٢) في المقام كلام أثبت به إمكان النسخ في بعض فروض هذه الصورة وإن اختار عدم الوقوع إلّا أنّه ادّعى الإمكان في قبال الاستحالة ، فإنّه قسم
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٩٣.
(٢) انظر أجود التقريرات ٢ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.