في النسخ والبداء وإمكانهما واستحالتهما
[في النسخ] :
لا يخفى أنّ ما تقدّم من الكلام في دوران الأمر بين التخصيص والنسخ وكذا هنا إنّما هو في النسخ للحكم الحقيقي الذي يكون فيه بعث وزجر وإرادة وكراهة في المتعلّق لا في مثل الأوامر الصوريّة الامتحانيّة ، فإنّ الأوامر الصوريّة الامتحانيّة إنشاؤها فعل من أفعال المولى الاختياريّة ذو مصلحة في نفس إنشائه ، فيمكن أن تكون المصلحة قائمة بنفس ذلك الإنشاء من دون أن يكون في المتعلّق مصلحة ، بل قد يكون في المتعلّق مفسدة أيضا ، كما إذا أمره بقتل ابنه ليختبر انقياده لأوامره.
والأوامر الحقيقيّة أيضا تارة : تكون مؤقّتة كما في صلاة الجمعة والجهاد المؤقّتين بحضور الإمام عليهالسلام عندنا ، ومثل هذا أيضا ليس من محلّ الكلام ، إذ ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ليس من النسخ.
واخرى : تكون مهملة من حيث الاستمرار وعدمه ، بل تكون مثبتة للحكم في الجملة كما إذا قال «أكرم العلماء» في الجملة ثمّ ورد بيان بعدم وجوب إكرامهم بعد خمس سنين ، فإنّ هذا الدليل الثاني يكون مبيّنا لإجمال الأوّل من حيث الزمان ورافعا إجماله ، وهذا أيضا خارج عن محلّ الكلام ؛ إذ لا حكم حتّى ينسخه الحكم الثاني أصلا.
وثالثة : يكون مطلقا فيظهر منه (١) أنّ هذا الحكم دائم إلى آخر الزمن ثمّ يأتي دليل ثان فيرفع هذا الحكم ، وهذا هو محلّ الكلام في إمكان النسخ واستحالته. وقد ذهب اليهود إلى استحالته كالنصارى ، وقد زعم اليهود أنّه لم يكن قبل موسى عليهالسلام دين ولا نبيّ ، بل إنّما كان الناس يعملون بعاداتهم العرفيّة فيما بينهم ثمّ جاء موسى بشريعته المقدّسة وأنّ شريعته هذه لن تنسخ إلى يوم القيامة. واقتفى أثرهم النصارى
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : تكون مطلقة فيظهر منها.