فأحالوا النسخ أيضا ، وإن وقعوا في محذور النسخ باعتبار أنّ شريعة عيسى عليهالسلام نسخت بعض أحكام شريعة موسى ، وقد أجابوا بأجوبة تافهة لا يهمّنا التعرّض لها.
وقد استدلّوا جميعا على استحالة النسخ بأنّه إن كان الحكم ذا مصلحة فلم ينسخه وإلّا فلم يجعله من أوّل الأمر ، نعم هو ممكن بالنسبة إلى الجاهل بالواقع ونفس الأمر.
والإنصاف أنّ ما ذكر متين لو كان معنى النسخ رفع الحكم ثبوتا ، ولكنّه ليس كذلك ، بل هو رفع له في مقام الإثبات ، فإنّ هذا الدليل المعبّر عنه بالناسخ إنّما رفع دلالة الدليل الأوّل على استمرار الحكم لا أنّه رفع استمرار الحكم ، بل الحكم قاصر من أوّل أمره عن شمول هذا الزمن ، فهو نظير التخصيص في كونه رافعا لدلالة الدليل ومبيّنا لإرادة المولى الجدّية وقصرها على بعض أفراد ذلك العامّ. فينبغي لليهود والنصارى الحكم باستحالة التخصيص والتقييد ، وهذا ممّا لا يمكن أن يتفوّه به عاقل أصلا ، بل إنّ الحكم من أوّل أمره خاصّ إلّا أنّه ابرز بمبرز عامّ لمصلحة مقتضية ثمّ بيّن المراد قبل حضور وقت العمل أو بعده ، وكذا الكلام في النسخ حرفا بحرف. وهذا ممّا لا يمكن أن يشكّ في إمكانه بل وقوعه ، وعليه فشريعة موسى قد نسخت بشريعة عيسى ؛ لأنّ شريعة موسى كانت ظاهرة في الدوام والاستمرار لمصلحة مقتضية لإظهار ذلك ثمّ بيّن المراد الواقعي ، وكذا شريعة عيسى عليهالسلام بشريعة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله. فما ذكره الطرفان من استحالة النسخ بهذا المعنى ممّا لا يساعده البرهان.
في البداء
ويقع الكلام في مقامين : الأوّل في إمكانه واستحالته ، الثاني في الإخبارات الصادرة عن الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام ممّا لم يتحقّق ما أخبروا به في الخارج.
أمّا الكلام في المقام الأوّل فقد شارك اليهود والنصارى في دعوى الاستحالة العامّة العمياء ونسبوا إلى علماء الشيعة قدسسرهم ما لا يليق بمكانتهم من أنّهم