[المرحلة الثالثة : في أنّ موضوع العلم هل هو العوارض الذاتية فقط؟]
والمقصود من هذا الكلام بيان أنّ موضوع العلم ما يبحث فيه عن العوارض التي ليست واسطتها واسطة في العروض ، سواء كان لها واسطة أم لم تكن لها واسطة ، والواسطة سواء كانت في الثبوت أو في الإثبات ، وهذه هي (المرحلة الثالثة) من مراحل البحث.
بيان ذلك أنّ جملة من المحمولات لا تحتاج إلى واسطة أصلا كحمل الإمكان على الممكن والامتناع على الممتنع ، ولكنّ أغلب المحمولات لا بدّ لها من واسطة بمعنى علّة محقّقة لحمل المحمول على الموضوع ، مثلا الوجوب المحمول على الصلاة لا بدّ له من علّة تثبته لها ، وهي إرادة المولى مثلا ، فالعلّة المثبتة تسمّى واسطة في الثبوت ، فالعلّة المحقّقة لثبوت النسبة بين الموضوع والمحمول واقعا تسمّى واسطة في الثبوت ، وعلّة العلم بذلك الثبوت تسمّى واسطة في الإثبات. وأمّا واسطة العروض فهي الواسطة الموجبة لعروض شيء على شيء ثمّ تنسبه إلى آخر بالمجاز فهذه واسطة في العروض ، كالواسطة الموجبة لعروض الجريان على الماء ثمّ تنسبها إلى الميزاب بالعرض والمجاز فتقول : جرى الميزاب بعلاقة الحالّ والمحلّ.
ثمّ إنّ العوارض سبعة أقسام : قسم منها يعرض بلا واسطة أصلا كعروض إدراك الكليات للنفس الناطقة ، فإنّها بلا واسطة. وستة بواسطة : وهي إمّا داخلية مساوية للمعروض أو أعمّ ، وإمّا خارجية مساوية للمعروض أو أعمّ أو أخصّ أو مباينة ، فالعارض بواسطة الداخل المساوي اتفقوا على كونه ذاتيّا كالتكلّم العارض للإنسان بواسطة النطق ، فإنّ الناطق بما أنّه به فعليّة الإنسان لا يحسب عارضا. واتفقوا على كون العارض بواسطة المباين غريبا ، وكذا ما كان بواسطة الخارج الأعمّ والأخصّ ، واختلفوا فيما كان بواسطة الجزء الأعمّ ،