من الأمراض الخلقيّة المزمنة ، وإنّ مضمون هاتين الآيتين شاهد على ابتلاء العرب بجميع هذه الأوصاف الرذيلة ، ولهذا تلاهما رسول الله على أسعد في أول لقائه به وبذلك عرّفه برسالته.
الدين في جزيرة العرب :
إنّ آيات القرآن الكريم تشير إلى أرباب العرب وآلهتهم ورموزها من أصنامهم وأوثانهم ، والقرآن (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وفيه الكفاية :
قال عزوجل : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(١).
وإذا كانت إيران قد اتّخذت الزرادشتية (المجوسية) دينا رسميّا لها طلبا للاستقلال العقائدي عن الروم المسيحيّة (٢) ، وهما في حرب دءوب ، فطبيعي أن تحاول إيران نشر عقيدتها الثنوية بالإلهين : إله الخير وإله الشرّ بين الشعوب المغلوبة المستعمرة لها من حولها ، فتتفشّى المجوسية في بعض القبائل العربية من تميم والبحرين وعمان واليمن (٣) ونحن نعلم أنّ المجوس ثنويّون يؤمنون بإلهين يدبّران العالم فللخير يزدان وللشرّ اهريمن ولهما رمزان فليزدان الخير النور ، ولاهريمن الشرّ الظلمة.
أمّا أكثر العرب في الجاهليّة فكانوا وثنيّين يؤمنون بقوى إلهية كثيرة منبثّة في مظاهر الطبيعة ، وبقوى خفيّة كثيرة في بعض الحيوانات والنباتات
__________________
(١) ص : ٤ ـ ٧.
(٢) الإسلام وإيران ٢ : ٣٢.
(٣) تأريخ العرب قبل الإسلام ٦ : ٢٨٤ فما بعد.