ونترك هنا ذكر بقيّة ملوك اليمن وما وقع على عهدهم ، لنأتي على ذلك بعد ذكر انتشار العرب من اليمن الى الحجاز ويثرب والعراق والشام.
ورجّحنا ذكر خبر عبيد بن شريّة الجرهمي في هذا الباب للاختصار ، ولترجيح المسعودي له بقوله «ولم يصح عند كثير من الاخباريين ـ أي المؤرخين ـ من أخبار من وفد على معاوية من أهل الدراية بأخبار الماضين وسير الغابرين العرب وغيرهم من المتقدمين فيها ، الّا خبر عبيد بن شريّة واخباره ايّاه عمّا سلف من الأيام وما كان فيها من الكوائن والحوادث وتشعّب الأنساب. وكتاب عبيد بن شريّة متداول في أيدي الناس مشهور» (١).
سيل العرم وتفرّق الأزد في البلدان :
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنّه أرسل على أهل بلاد سبأ سيلا سماه سيل العرم ، وقال المسعودي : «لا خلاف بين ذوي الرواية والدراية : أنّ العرم هو المسنّاة الّتي قد احكم عملها لتكون حاجزا بين ضياعهم وبين السيل (٢) ، وكان فرسخا في فرسخ ، بناه لقمان بن عاد بن عاديا الأكبر (٣). وهذا السد هو الّذي كان يردّ عنهم السيل فيما سلف من الدهر اذا حان أن يغشى أموالهم وقد كانت أرض سبأ قبل ذلك يركبها السيل ، وكان ملك القوم في ذلك الزمان يقرّب الحكماء ويدنيهم ويؤثرهم ويحسن إليهم ، فجمعهم من أقطار الأرض للالتجاء الى رأيهم والأخذ من محض عقولهم ، فشاور في دفع ذلك السيل وحصره ، وكان ينحدر من أعالي الجبال هابطا على رأسه حتّى يهلك الزرع ويسوق من حملته البناء.
__________________
(١) مروج الذهب : ٢٥١.
(٢) مروج الذهب ٢ : ١٦٣ ، ١٦٤.
(٣) مروج الذهب ٢ : ١٦١.