وهكذا اختلطت بل امتزجت لغتهم مما أعدّ لانتصار العربية الشمالية الحجازية على العربية الجنوبية اليمنية في أواخر العصر الجاهلي.
وسبّب المنافسة الشديدة بين فارس وبيزنطة بعثات دينية مسيحية الى اليمن ، فاعتنقها أهل نجران في القرن الخامس الميلادي. وناهضها ملوك حمير وآخرهم ذو نؤاس وحاول القضاء على المسيحيين بنجران (أصحاب الاخدود). فأوعزت بيزنطة الى النجاشي أن يغزو اليمن ، فغزاها في (٥٢٥ م) واستولى عليهم وضمّها الى بلاده. وظل هذا الاحتلال الحبشي لليمن نحو خمسين عاما.
وأخيرا استنجد أهلها (سيف بن ذي يزن) بالفرس ، فردّوا الأحباش وظلّوا بها حتى سنة (٦٣٨ م) إذ اعتنق الاسلام الحاكم الفارسي على اليمن بادان (١) في السنة السابعة للهجرة ، فأقره رسول الله على عمله على اليمن ، فكان عليها حتى توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ومن أجل أن نصل الى مدى عظمة الحضارة الحديثة الإسلامية فانّ علينا أن ندرس الحضارات السائدة يومئذ :
الحضارة في الامبراطوريتين الفارسية والرومية :
يهمّنا للوصول الى مدى بركات الدعوة الإسلامية أنّ نطّلع على حال الناس :
أولا ـ في محيط نزول القرآن الكريم ، وبيئة ظهور الإسلام وتناميه.
ثانيا ـ في أرقى نقاط العالم يومئذ فكرا وأدبا واخلاقا وحضارة.
لا نرى التأريخ يعرّفنا بأرقى نقطة في ذلك العهد سوى الإمبراطوريتين الفارسية والرومية ، وانّ من تمام البحث أن ندرس أوضاع هاتين الدولتين من مختلف النواحي كي يتضح لنا مدى أهمية الحضارة الّتي أتى بها الإسلام.
__________________
(١) العصر الجاهلي لشوقي ضيف : ٢٧ ، ٢٨.