الاعتزاز بتلك الحضارة. فقد ذكر الفردوسي الشاعر الحماسيّ الفارسيّ في ديوان شعره الحماسيّ قصة تشهد على ذلك ، وقد وقعت القصّة على عهد أنوشيروان أي في العهد الساساني الذهبي ، وتشهد هذه القصّة على أنّ الأكثرية الساحقة من الناس لم يكن لهم حقّ التعلم.
يقول الفردوسي : كان أنوشيروان بحاجة الى المعونة المالية لقتال الروم ، فانّ أكثر من ثلاثمائة ألف جندي ايراني كانوا يحاربون الروم وهم في إعواز شديد للأسلحة والطعام. وكانوا قد أبلغوا انوشيروان بذلك ، فاضطرب انوشيروان وخاف على مصيره من ذلك ، ودعا إليه وزيره العالم «بزرك مهر» ليشاوره في الأمر ، ويقول انوشيروان : إنّ على الوزير أن يذهب الى بلاد مازندران ليجمع المال اللازم لذلك من الناس ، ويقول بزرك مهر : إنّ الخطر قريب وعلينا أنّ نفكر في الخلاص السريع ولذلك يقترح على الملك أن يقترض من الناس فيقبل الملك على أن يعجّل في الأمر ، ويبعث بزرك مهر رسله الى القرى والمدن القريبة ليبلّغوا أغنياءها بالأمر. ويحضر تاجر يعمل في تجارة الأحذية ويستعد لدفع جميع مصارف الحرب بشرط واحد هو : أن يسمح لولده بالتعلم والوزير لا يرى مانعا عن اجابة ملتمسه ، فيسرع الى خسرو أنوشيروان ويبلغ الملك أمل الرجل ، فيغضب أنوشيروان لذلك وينهر وزيره ويقول له : ما هذا الطلب الّذي تتقدم به أنت؟! ليس من الصلاح أن نستجيب لهذا الطلب ، فإنّه بخروجه عن طبقته ينخر في كيان النظام الطبقي ، وهذا ضرّه أكثر من نفع ما يدفعه من الذهب والفضة! فانّ ابن التاجر اذا تعلّم فأصبح عالما ذا فنّ وهب له علمه آذانا صاغية وعيونا ناظرة ، فإذا جلس ابني على سرير الملك واحتاج الى كاتب استخدمه ولم يبق للعلماء من أبناء البيوتات والاسر سوى أن يتحسّروا ويحسدوا ابن التاجر! (١) ومع هذا وصفوه بالعادل.
__________________
(١) بالفارسية : تاريخ اجتماعى ايران : ٦١٨.