وهكذا كانت المجوسية دين البلاط الرسمي ، وكان الموابذة المجوس يسعون لتهدئة الطبقات الكادحة والمحرومة من المجتمع بحيث لا يحسّون كثيرا بآلامهم.
وهذه الصلاحيات اللامحدودة المخوّلة للموابذة المجوس وضغطهم الشديد على عموم الناس أثر في ابعاد الناس عن المجوسية ، فكان أكثر الناس يحاولون أن يجدوا لانفسهم دينا غير دين طبقة الأشراف.
ومن ناحية اخرى : فانّ دين المجوس كان قد فقد حقيقته تماما ، فقد بلغ تقديس النيران الى تحريم ضرب الحديدة المحماة بالنار بالمطرقة لأنّها بمجاورتها النار كانت قد تقدست بقداسة النار المقدسة! وهكذا شكّلت الخرافات والأساطير أكثر اصول عقائد زرادشت ، أمّا حقائق دينه فقد تركت المجال لعدد من الشعائر الخاوية الميّتة الّتي كان الموابذة يضيفون كلّ يوم إليها خرافات جديدة.
ومن ناحية ثالثة : كانت الثقافة الرومانية والهندية قد وجدت طريقها الى ايران على عهد أنوشيروان ، وسبّب اصطكاك العقائد الزرادشتية مع العقائد المسيحية والأديان الاخرى يقظة الايرانيين وأصبحوا يتألّمون ممّا في الدين الزرادشتي من الخرافات والمطالب الواهية ، وسبّب كلّ هذا اختلاف العقائد والآراء في ايران وشيوع الأديان والمذاهب الاخرى ، والشكّ والتردد في آخرين ، حتّى ترك أكثر الناس ما كانوا يعتقدون به قبل ذلك ، وشمل الإلحاد والاضطراب كلّ أنحاء ايران (١).
الحضارة الروميّة :
أمّا الرّوم فلم تكن بأحسن حالا من ايران ، فالحروب الداخلية والخارجية
__________________
(١) بالفارسية : تاريخ اجتماعى ايران ٢ : ٢٠ فما بعد.