ثمّ دخول الأحباش النصارى الى اليمن وأصحاب الفيل منهم ، ثمّ دخول الفرس المجوس إليها. ثمّ نرجع الى بقية أخبار مكّة والبيت الحرام وولاته ولا سيّما انتقال الأمر الى خزاعة ، وإنمّا قدّمنا هنا ما تقدم منها على خبر تبّان أسعد وأصحاب الفيل.
يثرب بين اليهود والأوس والخزرج :
نقلنا فيما مرّ رواية المسعودي في سبب انتشار العرب من اليمن بعد سيل العرم ، ونزول الأوس والخزرج يثرب «المدينة» وهنا ننقل خبر اليعقوبي في ذلك لما فيه من التفصيل الخاص بهذا الصدد : قال اليعقوبي : انّ تفرق أهل اليمن في البلاد وخروجهم عن ديارهم كان سبب سيل العرم ، وكان رئيس القوم عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، وكان كاهنا ، فتكهن أنّ بلاد اليمن تغرق ، فأظهر غضبه على بعض ولده وباع مرباعه وخرج هو وأهل بيته ، فصاروا الى بلاد «عك» ثم ارتحلوا الى «نجران» فحاربتهم مذحج ، ثم ارتحلوا عن نجران فمرّوا «بمكّة» وبها يومئذ «جرهم» فحاربوهم حتّى أخرجوهم عن البلد ، فصاروا الى «الجحفة» ثم ارتحلوا الى «يثرب» فتخلّف بها الأوس والخزرج ابنا حارثة ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ولحق بهما جماعة من الأزد من غير ابني حارثة فصاروا حلفاء لهم.
وكانت يثرب منازل اليهود ، وكانوا أكثر من الأزد والأوس والخزرج فغلبوهم وقهروهم ، حتّى كان الرجل من اليهود ليأتي منزل الأوسي أو الخزرجي أو الأزدي فلا يمكّنه دفعه عن ماله وأهله (١) ، وكان رجل يقال له «الفطيون» قد تملّك على اليهود فتملّك على الأزد والأوس والخزرج فسامهم سوء العذاب.
__________________
(١) اليعقوبي ١ : ٢٠٣ ، ونؤكّد أيضا ما قدّمناه في عنوان : مبدأ العرب : ١٠٧.