ولم يتخلّف في الرواية عنه الثقات والأئمة الاثبات ، أخرج له مسلم في المبايعات ، واستشهد به البخاري في مواضع ، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة» (١).
ثمّ أصبح ابن إسحاق في الحقيقة عمدة المؤلفين في السيرة ، فما من كتاب في السيرة إلّا وهو مستمدّ منه وراو عنه ، اللهمّ إلّا ما نأتي عليه من مغازي الواقدي ورواية كاتبه ابن سعد عنه ، وما روي عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وكذلك أصبح كتاب ابن إسحاق عمدة الكتب في السيرة لقرّائها منذ أن كتبه إلى يومنا هذا ولا سيّما بعد تهذيبها من قبل ابن هشام ـ بحيث أنّك لا تكاد تجد رجلا يدرس سيرة الرسول الكريم إلّا وكتاب ابن إسحاق كتابه الأوّل والام في ذلك.
عمل ابن هشام في سيرة ابن إسحاق :
وقد جاء بعده عبد الملك بن هشام الحميري البصري (ت ٢١٨ ه) بنصف قرن تقريبا ، فروى سيرة ابن إسحاق برواية زياد بن عبد الملك البكّائي العامري الكوفي (ت ١٨٣ ه) ولكنّه لم يروها كما هي بل تناولها بكثير من التمرير والاختصار والاضافة والنقد أحيانا ، والمعارضة بروايات أخر لغيره ، عبّر عن أعماله هذه بقوله في صدر سيرته : «وانا ـ إن شاء الله ـ مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ، ومن ولد رسول الله من ولده ، أولادهم لأصلابهم الأوّل فالأوّل من إسماعيل إلى رسول الله ، وما يعرض من حديثهم ـ وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل للاختصار ـ إلى حديث سيرة رسول الله. وتارك بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب ممّا ليس لرسول الله فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء ، وليس سببا لشيء
__________________
(١) الكامل في الضعفاء لابن عدي ٦ : ١٠٢ ـ ١١٢.