لم يكن يتّهمه بشيء بل كان يوثّقه ، وتبعه في توثيق ابن إسحاق من الفقهاء الأئمة : سفيان الثوري وشعبة ، بالإضافة إلى راويته زياد ابن عبد الملك البكّائي عنه. وإن كان هشام بن عروة بن الزبير من رواة السيرة ، ومالك بن أنس من أئمة الفقهاء يتحاملان عليه بالجرح والتضعيف ويتّهمانه بالكذب والدّجل والتّدليس ، والقول بالقدر ، والنقل عن غير الثقات ، وأخطاء في الأنساب. ولكن لعلّه لأن ابن إسحاق كان يطعن في نسب مالك وعلمه ويقول : ايتوني ببعض كتبه حتّى ابيّن لكم عيوبه ، فأنا بيطار كتبه (١)! إذن فالحملة متقابلة من الطرفين ، والتضعيف ضعيف لأنه معلوم الوجه والعلة «الشخصية».
مغازي الواقدي :
أمّا الواقدي محمّد بن عمر بن واقد مولى بني سهم ، فقد ذكر تلميذه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» أنّه ولد في المدينة سنة ١٣٠ ه أي بعد خروج ابن إسحاق منها بخمسة عشر عاما ، ولذلك لم يرو عنه وإن كان قد روى عن سائر رواة الأخبار عن الزهري ، مع تشابه كبير بين فقرات كتاب السيرة لابن إسحاق وكتاب المغازي للواقدي ، ولذلك زعم مستشرقان هما (فلهوزن وهو رفتس) أنّه سرق منه ولم يسنده إليه ، وفنّد زعمهما مستشرق آخر هو (مارسدن جونس) محقّق المغازي كما في مقدّمته للكتاب (٢) ثمّ احتمل أن يكون الواقدي قد أعرض عن الرواية عن ابن إسحاق نظرا إلى عدم توثيق علماء المدينة له (٣).
__________________
(١) راجع ترجمته وهذه الأقوال في الكامل في الضعفاء لابن عدي ٦ : ١٠٢ ـ ١١٢.
(٢) مغازي الواقدي : ٢٩.
(٣) بل مرّ أنّه رحل عن المدينة شابّاً قبل تأليفه السيرة فلم يروها عنه من أهل المدينة أحد ، فلم يرو عنه الواقدي.