فلمّا توفّي عبد المطّلب كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه وعلى جميع أهله ، وكان اذا أراد أن يعشّي أولاده أو يغدّيهم يقول : كما أنتم حتّى يحضر ابني ، فيأتي محمّد فيأكلون (١).
سفر النبي صلىاللهعليهوآله الأوّل مع عمّه الى الشام :
روى الصدوق في (اكمال الدين) بسنده الى ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطّلب عن أبي طالب قال : خرجت الى الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي ، وكان في أشدّ ما يكون من الحر ، فلمّا أجمعت على المسير قال لي رجال من قومي ما تريد أن تفعل بمحمّد؟ وعلى من تخلّفه؟ فقلت : لا اريد أن أخلفه على أحد من الناس ، اريد أن يكون معي. فقيل : غلام صغير في حرّ مثل هذا تخرجه؟ فقلت : والله لا يفارقني حيث ما توجهت أبدا ، فإني لاوطّئ له الرحل. فذهبت فحشوت له حشية كساء وكتانا. وكنّا ركبانا كثيرا ، فكان والله البعير الّذي عليه محمّد أمامي لا يفارقني فكان يسبق الركب كلّه ، فكان اذا اشتدّ الحرّ جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتقف على رأسه لا تفارقه وهي تسير معنا (٢).
وروی الحميري في (قرب الاسناد) بسنده عن الكاظم عليه السلام في معجزاته صلّى الله عليه وآله قبل مبعثه قال : توجّه إلى الشام مع نفر من قريش ، فلما كان بحيال بحيراء الراهب نزلوا بفناء ديره. وكان عالماً بالكتب وقد قرأ في التوراة مروره صلّى الله عليه وآله به وعرف أوان ذلك. فأمر فدُعي إلى طعامه. ثمّ أقبل يطلب الصفة فيهم فلم يجدها فيهم ، فقال لهم : هل بقي في رحالكم أحد؟ فقالوا : غلام يتيم. فقام بحيراء الراهب
__________________
(١) المناقب ١ : ٣٥ ـ ٣٦.
(٢) اكمال الدين : ١٧٨. ومثله في الخرائج والجرائح ١ : ٧١ الحديث ١٣٠ وعنه في بحارالانوار ١٥ : ٢١٤.