كان الله يسلك بالنبي صلىاللهعليهوآله طريق المكارم :
روى الشريف الرضي في «نهج البلاغة» عن علي عليهالسلام أنه قال في وصف الرسول صلىاللهعليهوآله : «ولقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره» (١).
وروى ابن أبي الحديد في شرحه : أنّ بعض أصحاب الإمام الباقر عليهالسلام سأله عن قول الله تعالى («إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)(٢) فقال عليهالسلام : يوكّل الله تعالى بأنبيائه ملائكة يحصون أعمالهم ، ويؤدّون إليهم تبليغهم الرسالة ، ووكّل بمحمّد ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده الى الخيرات ومكارم الأخلاق ، ويصدّه عن الشر ومساوئ الأخلاق (٣).
__________________
وفصّل هذا المعنى فقال : «انّ تلك الأحداث والكرامات الّتي يدّعيها الرواة ، وبخاصّة ما كان منها في طريقه الى الشام مع تلك الحشود لم تترك أثرا على المكيين الّذين رافقوه في تلك الرحلة ، فلا محمّد قد احتج بها عليهم يوم كانوا يطاردونه من بيت الى بيت وفي شعاب مكّة وبطاحها ، ولا حدّث أحد من المؤرخين بانّ رفاقه في تلك الرحلة كانوا يتحدثون بها لمن رجعوا إليهم في مكّة وما جاورها ، كلّ ذلك مما يرجّح استبعادها».
وقال : «نبهت في كتابي (الموضوعات) على ما يرويه المحدثون والمؤرخون ممّا جرى له في طريقه الى الشام وهو في قافلة تتألف من مائة وثمانين من التّجار ومعاونيهم : كحديث الغمامة الّتي كانت تظلله ، والمياه الّتي كانت تتفجر من بطون الصحراء الّتي كانت تتعرض فيها حياة العشرات من المسافرين للموت عطشا ، والأشجار اليابسة الّتي كانت تعود إليها الحياة فتثمر من ساعتها أنواعا من الثمار ، الى كثير من أمثال ذلك». هذا ، ولم يكن فيما رويناه الّا تظليل الغمامة اذا اشتدّ الحرّ ، وعند نزوله عند الشجرة.
(١) نهج البلاغة : الخطبة القاصعة : ١٩٢ / المقطع ١١٨ عن سعدة بن صدقة عن الباقر عليهالسلام.
(٢) الجنّ : ٢٧.
(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٠٧ وعنه في البحار ١٥ : ٣٦١.