نقد كتب السيرة :
لعلّ النظر إلى تراث السلف الصالح ـ ولا سيّما سيرة الرسول الكريم ـ بنظرة التقديس ، هو الّذي أدّى بالمؤلّفين في السيرة على اختلاف طبقاتهم أن لا يقفوا موقف الناقد البصير ، فلم نر منهم من يعرض لما تحمله السيرة بين دفتيها من أخبار ضعيفة بعيدة عن الحقيقة لينقدها ويأتي على نقاط الضعف فيها ، فهذا ما حرمه هذا العلم في جميع أدواره السالفة إلى عهدنا هذا الأخير ، حيث أخذ المستشرقون والمتأثّرون بهم يتناولون خبرا أو خبرين من السيرة وسيلة للطّعن في شخص النبي الكريم صلىاللهعليهوآله أو ما يتصل به ، فآمن بعض أصحاب الأقلام الجديدة بأنّ في السيرة أخبارا لا تمتّ إلى الحقّ بصلة في قليل ولا كثير ، ثمّ تجرّءوا فأقدموا على تهذيب السيرة ممّا الصق بها وهي ليست منها ، كقصة شقّ الصدر والغرانيق (١) وغرام الرسول صلىاللهعليهوآله بزوجة زيد ربيبه!
إنّ سيرة محمّد صلىاللهعليهوآله كسائر العظماء اضيف إليها ما ليس منها ، إمّا عن حب وهوى وحسن نيّة وطويّة ، وإمّا عن حقد وسوء قصد متعمّد ، ولكنّها تمتاز عن سير جميع العظماء بأنّ شيئا كثيرا منها ضمّه الوحي الإلهي وضمن حفظه القرآن الكريم ، وكثيرا منها مرويّ على لسان الحفّاظ الثّقات من المحدّثين. فعلى هذه الاسس الصحيحة يجب أن تبنى السيرة ، وأن تحلّل التحليل العلميّ النزيه بملاحظة ظروف الوسط وحال البيئة وجوانبها المختلفة من عقائد ونظم وعادات وتقاليد وطقوس ، وأن لا يبنى الأساس على المعجزات والكرامات وخوارق العادات إلّا ما خرج بالدليل بل يبنى على أساس «إنّ الله أبى أن يجري الأشياء إلّا بأسباب» (٢) اللهمّ إلّا ما خرج بالدليل الثابت المعقول.
__________________
(١) انظر ملخّص القصّة في ذيل الصفحة التالية.
(٢) اصول الكافي ١ : ١٨٣ ، عن الصادق عليهالسلام وهي رواية الصفار القمي في بصائر الدرجات كما عنه في بحارالانوار ٢ : ٩٠.