وهكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة كما فعلت خديجة ، فلا تغرها بهرجة الدنيا وزخرفها وزبرجها ، ولا تبحث عن المال والشهرة ، ولا عن اللذة والشهوة .. وإنمّا يكون نظرها الى الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة ، لأنها هي الّتي تسخّر المال والجاه والقوة في سبيل الانسانية (١).
دوافع زواج النبي صلىاللهعليهوآله :
والماديّون الّذين ينظرون الى كلّ شيء من ناحية المال والمادة ، يزعمون : أنّ خديجة بما أنّها كانت ذات مال تتاجر به ، كانت أحوج ما تكون الى رجل «أمين» لإدارة امور تجارتها ، لذلك اندفعت للزواج بمحمّد «الصادق الأمين» وكان النبي صلىاللهعليهوآله يعلم بوضعها المالي وحياتها الكريمة لذلك قبل خطوبتها مع ما بينهما من تفاوت العمر!
الّا أنّ الّذي نراه في التأريخ هو أنّ دوافع خديجة للزواج بالصادق الأمين كانت دوافع معنوية لا مادية ، والشاهد لذلك :
١ ـ ما رواه ابن اسحاق قال : وكانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد ـ ابن عمّها ـ. ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب ، وما كان يرى منه اذ كان الملكان يظلّانه. وكان ورقة نصرانيا قد تتبّع الكتب وعلم من علم الناس فقال لها : لئن كان هذا حقّا يا خديجة فانّ محمّدا لنبيّ هذه الامة ، وقد عرفت انّه كائن لهذه الامة نبيّ ينتظر ، هذا زمانه (٢).
٢ ـ انّ سبقها الى الإيمان بالإسلام ورسالة رسول الله صلىاللهعليهوآله بحيث كانت أوّل امرأة آمنت به ، لما يشهد في صفحات التأريخ بأنّ زواجها كان منبعثا من ايمانها
__________________
(١) انظر : الصحيح للسيد المرتضى ١ : ١١٩ ، ١٢٠.
(٢) ابن اسحاق في السيرة ١ : ٢٠٣.