وقال الطبري بعد هذا : فلعلّ الّذين قالوا : كان مقامه بمكّة بعد الوحي عشرا ، عدّوا مقامه بها من حين أتاه جبرئيل بالوحي من الله عزوجل ، وأظهر الدعاء الى التوحيد وعدّ الّذين قالوا : كان مقامه ثلاث عشرة سنة ، من أوّل الوقت الّذي استنبئ فيه ، وكان المقرون به اسرافيل ، وهي السنون الثلاث الّتي لم يكن أمر فيها بإظهار الدعوة (١).
ولكن يبقى أنّ ابن شهرآشوب بدّل جبرئيل بإسرافيل سهوا.
أمّا من طرقنا فلا أقلّ ممّا ذكره الشيخ المفيد في «الاختصاص» قال : «قرن اسرافيل برسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاث سنين ، يسمع الصوت ولا يرى شيئا ، ثمّ قرن به جبرئيل عليهالسلام عشر سنين ، وذلك حيث اوحي إليه ، فأقام بمكّة عشر سنين ثمّ هاجر الى المدينة فأقام بها عشر سنين (٢).
وهذا يعني أنّ تلك السنوات الثلاث كانت منذ بدء البعثة في الأربعين من عمره صلىاللهعليهوآله الى الثالث والأربعين ، كما نصّ عليه داود بن عامر في خبره. وابن داود لم يذكر أنّه لم يكن يرى شخصه ، وإنمّا نصّ عليه خبر الشعبي وما ذكره الشيخ المفيد وابن شهرآشوب.
فعلى ما ذا كان قبل البعثة؟
قبل أن نقف وايّاكم على مختلف الأخبار في هذا المضمار ، لنعد فنعيد النظرة على واقع حال الرسول صلىاللهعليهوآله فيما قبل البعثة من حيث العبادة والدّيانة.
والحقيقة هي أنّ واقع الحال في البعثة وما قبلها غير بيّن ، فالقرآن الكريم
__________________
(١) الطبري ٢ : ٣٨٧ ورواه ابن سعد في الطبقات ١ : ١٢٧ وابن كثير في البداية والنهاية ٣ : ٤ واليعقوبي ٢ : ٢٣ مرسلا. وروى الحاكم في المستدرك ٢ : ٦١ عن سعيد بن المسيب أنّ القرآن نزل على الرسول وهو ابن ثلاث وأربعين.
(٢) الاختصاص : ١٣٠ ، ولا نؤكد نسبة الاختصاص الى الشيخ المفيد.