جنانا» (١) فهل ارتوى المسلمون في طريق تبوك بماء العين المنهمر ـ بعد السباب! ـ أم بمطر من سحاب بدعاء مستجاب من نبيّ مجاب؟ أليس في القليل الأول غنى عن الثاني الكثير؟! اللهمّ إلّا أن نبني على ترجيح الحديث الأكثر إعجازا ولا نقتنع بالقليل منه!
هذا وقد روى ابن إسحاق بعد روايته خبر السحابة خبرا آخر يؤيده قال : «فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : قلت لمحمود بن لبيد : هل كان الناس يعرفون النّفاق فيهم؟ قال : نعم والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمّه وفي عشيرته ، ثمّ يلبس بعضهم بعضا على ذلك ، ولقد أخبرني رجال من قومي قالوا : لمّا كان من أمر الماء بالحجر ما كان ودعا رسول الله حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت حتّى ارتوى الناس قالوا : أقبلنا على رجل من المنافقين معروف نفاقه كان يسير مع رسول الله حيث سار ، فقلنا له : ويحك! هل بعد هذا شيء؟ فقال : «سحابة مارّة» اللهمّ إلّا أن يكون ذكر كثرة النّفاق في بعض الصحابة ممّا يشنع ذكره ويسوء بعض الناس ، وإن كان لم يحذفه ابن هشام ، واختار مسلم ما سلم من ذكره ، وهذا هو الراجح في الظن.
شرائط دراسة التأريخ :
لا شكّ في أنّ البحث في التأريخ أمر خطير وعمل شاق جدا ، فالباحث فيه كمن يريد أن يلج بحرا خضما هائجا ، وإنّما يمدّ ببصره إلى قاعه ليغنم منه لآلئه ودراريه.
__________________
(١) صحيح مسلم ٧ : ٦٠ ط ١٣٣٢ ، ورواه قبله الواقدي في المغازي ٣ : ١٠١٢ ـ ١٠١٣ ورواه قبله ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٧١ إلا أنه ذكره لمنزل وادي المشقق في طريق عودته من تبوك. ورواه معاصره مالك في الموطأ ١ : ١٤٣ باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر من كتاب قصر الصلاة في السفر.
(٢) ابن اسحاق في السیرة ٤ : ١٦٦.