الغیب باستمرارها وثباتها بحیث تحتاج إلى الوصاية من بعده. وهذا هو الصحيح ، كما نرى فيما يلي.
حديث الإنذار :
اللهم الّا أن نلتزم بأنّ الدعوة كانت بعد مقاطعة قريش للرسول وحصارهم ايّاه وبني هاشم في شعب أبي طالب في حدود السنة السادسة للبعثة ، على ما رواه فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره مسندا عن أبي رافع ـ مولى العبّاس بن عبد المطّلب ـ قال : إنّ رسول الله جمع ولد عبد المطّلب في الشعب ، وهم يومئذ ـ ولده لصلبه وأولادهم ـ أربعون رجلا. فصنع لهم رجل شاة وثرد لهم ثريدة فصبّ عليه ذلك المرق واللحم ، ثمّ قدّموها إليهم فأكلوا منه حتّى شبعوا ، ثمّ سقاهم عسّا واحدا من لبن فشربوا كلّهم من ذلك العسّ حتّى رووا (١).
فقال أبو لهب : والله إنّ منّا نفرا يأكل أحدهم الجفرة (٢) وما يصلحها فما تكاد تشبعه ، ويشرب الفرق (٣) من النبيذ فما يرويه ، وانّ ابن أبي كبشة (٤) دعانا على رجل شاة وعسّ من شراب فشبعنا وروينا ، إنّ هذا لهو السحر المبين!
ثمّ دعاهم ، فقال لهم : انّ الله أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين ورهطي المخلصين ، وانّكم عشيرتي الأقربون ورهطي المخلصون ، وانّ الله لم يبعث نبيّا الّا جعل له أخا من أهله ووارثا ووصيّا ووزيرا ، فأيّكم يقوم فيبايعني على أنّه أخي
__________________
(١) العسّ : القدح الكبير.
(٢) الجفرة مؤنث الجفر وهو من أولاد المعز ما فصل عن امّه وبدأ بالرعي بعد أربعة أشهر ، كما في النهاية للجزري.
(٣) بالفتح أو الكسر فالسكون : السقاء الممتليء.
(٤) هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان ، شبّهوه به ، كما في النهاية للجزري.