مفندا مزاعم الطاعنين رادّا على المكذبين. فجاء كتابه سيرة للرسول جديدة في اسلوبها ، نقية من اللغو والهراء» (١).
أجل ، إذا كان المراجع إلى هذه المراجع ـ الصحاح وغيرها ـ ملئ النفس بتقديس النصّ تقديسا عشوائيا ساذجا ، فهو يمتنع ويمنع عن تقويم النصوص تقويما سليما يزنها بميزان الاعتبار.
ولا مبرر لهذا التقديس ما لم يثبت أنّ هذا الحديث ممّا صدر عنه أو من شئونه أو من صفاته ، اللهمّ إلّا إذا كان لا يعرف شيئا ممّا يجب أن يتوفر في شخص رسول الله وخليفته وحجته على عباده ، وكان خالي الذهن عن المنطلقات الأساسية والضوابط الحقيقية الّتي يجب أن يتوفر عليها من يحاول دراسة التأريخ بصورة علميّة ، وسيرة الرسول الكريم بصورة خاصة (٢).
سحاب مركوم على الحقّ المظلوم :
أمّا كيف حدث كلّ هذا الحديث الموضوع للنيل من كرامة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله؟ فنحن نرى ذلك من التعتيم الّذي اصطنعه بنو اميّة وبنو مروان على معالم الشخصية النبوية ، مستفيدين من سياسة المنع من الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بل إحراق ما كتبه كبار الصحابة عنه : ابتداء من الخليفة الأوّل إذ أحرق خمسمائة حديث كان قد جمعها هو من أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله (٣). ثمّ اشتدّ الأمر على عهد الخليفة الثاني فإنّه جمع ما كتبه الصحابة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله وأحرقه ، ولعلّ ذلك بعد أن اتصل به كعب الأحبار الحبر اليهودي المسلم.
__________________
(١) مقدمة ابن اسحاق في السيرة١ : ح ، ط.
(٢) انظر مقدمة الصحيح في السيرة ١ : ١٦ ، ١٧.
(٣) راجع المصادر في كتاب النص والاجتهاد : ١٥١.