وأسطع من ذلك ما في أواسط السورة من قوله سبحانه : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١) فهل يمكننا أن نحكم أنّ هذا أيضا من القرآن في دور الكتمان؟! بل هو إعلام واعلان.
بل روى ابن شهرآشوب في «المناقب» عن ابن عبّاس : أنّ الوليد ابن المغيرة أتى قريشا فقال : انّ الناس يجتمعون غدا بالموسم وقد فشا أمر هذا الرجل في الناس ، وهم يسألونكم عنه فما تقولون؟ فقال أبو جهل : أقول انّه مجنون ، وقال أبو لهب : أقول انّه شاعر ، وقال عقبة بن أبي معيط : أقول انّه كاهن. فقال الوليد : بل أقول هو ساحر يفرّق بين الرجل والمرأة وبين الرجل وأخيه وأبيه. فأنزل الله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(٢).
وفي العلق قبل القلم قالوا : إنّ المعنيّ بالآية : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) هو الوليد أيضا اذ كان ينهى الناس عن أن يطاع رسول الله وعن الصلاة (٣) وقيل : هو أبو جهل ، فإنه حاول أنّ يطأ رقبة الرسول في سجدته في الصلاة في المسجد الحرام (٤) ولكنّي عبرته الى القلم ، اذ قالوا انّ النازل من العلق قبل القلم إنمّا هي الآيات الخمس الأوائل ، وأمّا هذه الآية فهي متأخرة في النزول عن تلك ، فلعلّنا نعود إليها فيما بعد.
وثالثة السور ـ «المزمّل» :
وعاشرة آياتها : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي
__________________
(١) القلم : ٣٤ ـ ٣٦.
(٢) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٤٨.
(٣) تفسير القميّ ٢ : ٤٣٠.
(٤) مجمع البيان ١٠ : ٧٨٢ عن صحيح مسلم.