طلب الغنى جمعنا لك مالا حتّى تكون أيسر أهل مكّة. فكره النبيّ ذلك وظن أنّ قومه إنمّا يكذبوه لفقره ، فوعده الله سبحانه الغنى ليسلّيه بذلك عمّا خامره من الهمّ فقال : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي لا يحزنك ما يقولون وما أنت فيه من الإقلال ، فإنّ مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا. ثمّ أنجز ما وعده فلم يمت حتّى فتح عليه الحجاز وما والاها من القرى العربية وعامّة بلاد اليمن ، فكان يعطي المائتين من الإبل ويهب الهبات السنيّة ، ويعدّ لأهله قوت سنته (٣) فهل كان بين الضحى والشرح من التحديث بنعمة النبوة منه صلىاللهعليهوآله ما جرّ المشركين الى اقتراح تقديم المال إليه ردعا له عن دعوته؟!
السورة الثالثة عشرة ـ «العصر» :
وقال الطبرسي : قيل : المراد بالإنسان هو الوليد بن المغيرة وأبو جهل (١) ونسب السيوطي الى ابن عبّاس القول بأنّه أبو جهل (٢). وعلى هذا فلا يخلو قوله (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) عن تعريض به أو بهما اذ كانا يتواصيان بالباطل والصبر عليه في مواجهة الحقّ. وهذا أيضا ممّا يقتضي الإعلان ، كما يقتضيه اطلاق قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
السورة الرابعة عشرة ـ «العاديات» :
إنّما علّقنا علامة استفهام على كون سورة العاديات هي الرابعة عشرة نزولاً ، لأنّها كذلك حسب الخبر المعتمد في ترتيب نزول السور (٤).
إلّا أنّ القميّ والكوفي في تفسيريهما (٥) والمفيد في إرشاده (٦) والطوسي في أماليه (٧) رووا مدنية السورة عن سلمان وأبي ذر وابن عباس والباقر والصادق عليهما السلام ، ونقل الطوسي في تفسيره عن الضحاك مدنيّتها ، وعن ابن عباس وتلامذته مجاهد وقتادة وعطاء : أنّ العاديات الضابحات والمثيرات نقعاً والموريات قدحاً كلّها
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٧٧٢.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٨١٥.
(٣) الدر المنثور ٦ : ٣٩١.
(٤) التمهيد ١ : ١٠٣ ، ١٠٤.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٣٤ و ٤٣٨ والفرات الكوفي : ٥٩٩ الحديث ٧٦١.
(٦) الارشاد ١ : ١٦٥.
(٧) أمالي الطوسي : ٤٠٧ ، م ١٤ ، ح ٦١.