السورة الرابعة والخمسون ـ «الحجر» :
وفيها قوله سبحانه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(١) وما مرّ فيها من أبحاث.
والآن وبعد أن استعرضنا ما نزل من القرآن الكريم قبل هذه الآية ممّا فيه إشارة الى حوادث البعثة وما بعدها ، فهل كان فيه ما ينسجم مع سرّية الدعوة حتّى نزول هذه الآية وبداية الإعلان للعموم بها مع نزول هذه الآية؟ أم كان جلّه أو كله ممّا لا ينسجم الّا مع الإعلان بالدعوة للعموم منذ الأوّل أو الأوائل؟ ممّا يؤيّد الخبر والقول بتقدم المرحلة السرّية على نزول القرآن ، وبدء الدعوة العلنية العامّة مع بدء نزول القرآن أو قريبا منه ، وقد مرّ خبره والقول به قبل هذا.
وسبق أيضا في معنى قوله سبحانه : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) عدم التسليم لمّا اشتهر في معناه أنّه امر بإظهار الدعوة العامّة والإعلان بها ، واختيار خبر المفيد أنّ الآية أمر بالإعراض عن تهديد المشركين المستهزئين الستة المقتسمين الأبواب الستّة لمنع الحجاج والمعتمرين عن الاستماع والاستجابة للرسول الأمين ، الّذين أمهلوه الى الزوال ليترك أمره أو يقتلوه. فالآية أمر له بالاعراض عن هذا التهديد لهؤلاء المشركين والصدع بأمره ، لا ابتداء به بل استمرارا واستدامة فيه. وسبق أن لو لا هذا المعنى لمّا كان أيّ معنى مناسب للاعراض عن المشركين في الآية ، بل كان الأنسب أن يؤمر بالتصدّي لهم لا بالاعراض عنهم. وكذلك ما كان من المناسب أن يتواجد هناك مستهزءون معروفون بذلك ، مقتسمون لأبواب مكّة للمنع عنه في حين أنّ دعوته سرّية.
إذن فالصدع بالأمر وإعلان الدعوة لم يكن الحدث الآخر المشار إليه في هذه
__________________
(١) الحجر : ٩٤ ، ٩٥.