فالسورة نزلت في الخامسة. وبما أنّ هجرة المسلمين إنّما هي من جرّاء تعذيب قريش للمسلمين ، لذلك نبدأ هنا بذكر أخبار عن ذلك.
ظلم المشركين للمستضعفين من المسلمين :
قال ابن اسحاق : ثمّ إنّ المشركين عدوا على من أسلم واتبع رسول الله من أصحابه ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين من استضعفوه منهم ، فجعلوا يحبسونهم ويعذّبونهم ، بالضرب والجوع والعطش ، وبرمضاء مكّة اذا اشتدّ الحر ، ليفتنوهم عن دينهم ، فمنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم ، ومنهم من يفتن من شدّة البلاء الّذي يصيبه ...
وكان أبو جهل الفاسق في رجال من قريش يغرون بالمسلمين ، وكان اذا سمع بالرجل أسلم وله شرف ومنعة ، أنّبه وأخزاه وقال له : تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفّهنّ حلمك ولنفيّلنّ (نخطّئنّ) رأيك ولنضعنّ شرفك! وان كان تاجرا قال له : لنكسّدنّ تجارتك ولنهلكنّ مالك! وان كان ضعيفا ضربه وأغرى به غيره.
حتّى أنّ الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي حين أسلم ، مشى رجال من بني مخزوم الى أخيه هشام بن الوليد (١) ليأخذه وفتية آخرين منهم قد أسلموا منهم : سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، فقالوا لهشام : إنّا قد أردنا أن نعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الّذي أحدثوه لنأمن بذلك من غيرهم. فقال هشام في أخيه الوليد : فعليكم به فعاتبوه واحذروا على نفسه! فتركوه.
وكانوا يخرجون بعمّار بن ياسر وبأبيه وامّه اذا حميت الظهيرة يعذّبونهم
__________________
(١) من هنا يعلم أنّ هذا كان بعد هلاك الوليد في المستهزئين الستة.