وسيأتي أن الآيات الاولى من آخر سورة مكية هي «العنكبوت» نزلت في عمّار بن ياسر أيضا (١) ، ولعلّنا نجد في ذلك حلّا للاشكال ، ومحملا لهذه الأخبار الّتي تفيد أن عمّارا عذّب قبيل هجرته بل وقد هاجر الرسول صلىاللهعليهوآله ، وأنّه هاجر الى المدينة ولكنه لم يواجه الرسول حياء منه لما قاله من كلمة الكفر ، أو واجهه وهو يبكي من ذلك ، حتّى طمأنه النبيّ بعدم الإثم عليه. فان هذه الأخبار انما تناسب تلك الفترة لا قبلها.
وأيضا نجد بالقول بتعدد الموقف لعمّار ، محملا جميلا لطيفا لقول الرسول له : «إن عادوا لك فعد لهم» بأنّها كلمة قالها له في هذه المرّة مشيرا له بلطف الى أنّ هذا الأمر سيتكرّر منهم ومنك ، وأن الاشارة الى تكرار ذلك أيام هجرته. ولكن الرواة خلطوا فجعلوا هذه الجملة مقولة له من الرسول صلىاللهعليهوآله في المدينة بعد الهجرة حيث لا توقع بعودة مشركي قريش الى تعذيب عمّار لافتتانه عن دينه. فما معنى أن يقول له الرسول : ان عادوا فعد لهم؟.
ونجد بذلك أيضا محملا لخلط بعض الرواة حيث رووا ما يفيد أنّ هذه الآية من سورة النحل المكيّة نزلت بعد الهجرة في عمار ، كما مرّ عن السيوطي في «الدر المنثور» (٢) ممّا استلزم استثناء هذه الآيات من مكية السورة بلا موجب.
أوّل لقاء الخزرج بالنبيّ في موسم العمرة :
بما أنّ الآية (١٢٥) من سورة النحل تستتبع خبر خروجهم من الشعب ، وقبل ذلك كان لقاؤه صلّى الله عليه وآله بالخزرج في موسم العمرة في شهر رجب ، لذلك نقدم هنا الخبر عن ذلك :
__________________
(١) هذا الكتاب : ٦٨٢.
(٢) الدر المنثور ٤ : ١٣٢ ، ١٣٣.