لجوء النبيّ صلىاللهعليهوآله الى حائط بني مخزوم :
فعمد الى ظلّ حبلة من عنب فجلس إليه ، فلما اطمأن قال : «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي. الى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني (١) أم الى عدوّ ملّكته أمري؟. ان لم يكن بك عليّ غضب فلا ابالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ ـ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ـ من أن تنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتّى ترضى ، ولا حول ولا قوة الّا بك».
فلمّا رآه ابنا ربيعة : عتبة وشيبة ، ورأيا ما لقي ، تحركت له رحمهما (٢) ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له «عدّاس» فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثمّ اذهب به الى ذلك الرجل فقل له : يأكل منه. ففعل عدّاس ثمّ أقبل به حتّى وضعه بين يدي رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ثم قال له : كل : فلما وضع رسول الله فيه يده قال : باسم الله ثم أكل ، فنظر عدّاس في وجهه ثم قال : والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول الله : ومن أهل أيّ البلاد أنت يا عدّاس وما دينك : قال : نصراني من أهل نينوى. فقال رسول الله : من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عدّاس : وما يدريك ما يونس بن متّى؟ فقال رسول الله : ذاك أخي ، كان نبيّا وأنا نبيّ. فاكبّ عدّاس على رسول الله يقبّل رأسه ويديه وقدميه (٣).
__________________
(١) تجهّمه : استقبله بوجه كريه.
(٢) إذ كانت اُم أبيه عبدالله من بني مخزوم.
(٣) وأشار اليعقوبي الى اسلام عدّاس ٢ : ٣٦ ، ونقل الواقدي ١ : ٣٣ أنه بقي معهما حتّى خرج معهما الى بدر فقتل معهما : ولكنه تردّد فيه ورجّح القول بأنه لم يخرج ولم يقتل معهم ١ : ٣٥.