الجزء الأول منه فهذا لا يعني إهمال بقيّة الاجزاء ، ولكنّ أمر عرضها يحتاج إلى أناة تستحقّها ، فليس كلّ يوم نقف على كتاب بهذا العمق ، وعلى كاتب بهذه الموسوعية.
وأنت حينما تقرأ ذلك الجزء تخرج بتسلسل تاريخي في كثير من أحداثها يختلف إلى حدّ كبير مع تسلسلها عند أصحاب السير ، وإذا كانت مصادره الاساس هي كتب علماء أهل البيت ، فإنه لم يهمل مصدراً من مصادر أهل الحديث ، بل إنها تتماشى جنباً إلى جنب مع مصادره ، بل إنك تشعر حينما تنظر في هوامش بحثه أنه لم يترك مصدراً قديماً أو حديثاً يمكن الافادة منه الّا وقد اطّلع عليه وأفاد منه.
فمصادر الجزء الاول تجاوزت المائتين بكثير ، كما أن صفحاته تجاوزت الثمانمائة وستين ، قسمها تقسيماً يدعوك إلى قراءته إذا نظرت في التقديم الذي وضعه بين يديه ، إذ شوّقك إلى ما ينبغي على كاتب التاريخ اتباعه في دراسته ، وحشد لك فيه موضوعات كلها جديرة بالنظر حول التاريخ قبل الاسلام وبعده ، وحول تدوين السيرة وكتّابها والأثر الباقي منها ، وحول ما قام به ابن هشام في سيرة ابن اسحاق ، وحول مغاي الواقدي ، وحول كتب السيرة والخلاف فيها بينها ، ثمّ قدم تصوّراً لشرائط دراسة التاريخ ، وكيفيّة تقويم النصوص ، واستدراك ما فاتها ، ثمّ كيفيّة رفع الركام عن معالم الحقّ التي طمست ، ثمّ منهجه في الدراسة ، وقد أفاد الباحث في تقديمه من مصادر كثيرة في مقدّمتها دراسة المستشرق الدكتور مارسدن جونس الرائعة التي قدّم بها كتاب مغازي الواقدي.
وقسم الباقي من صفحات الجزء الاول التي قاربت الثمانمئة على عشرة فصول ، وتناول في الفصل الاول البيئة العربية قبل الاسلام ، وقد قاربت صفحات هذا الفصل المئة والسبعين ، أغناها بالمباحث المهمّة التي من بينها مبحث الجاهلية في القرآن الكريم ، ومبحث الجاهلية في نهج البلاغة الذي لم أقف على ما يقاربه عند غيره ، بالاضافة الى مباحث اُخرى كثيرة تتعلّق بدول العصر ودياناته وأحداثه