غيرة وحميّة ، أم حميّة جاهليّة :
كما حاولوا أن يوجّهوا الجاهليّة بتفسيرها بمعنى الغضب لا عدم العلم والمعرفة ، كذلك حاولوا تحريف الحميّة الجاهليّة المذكورة في القرآن الكريم من كونها صفة ذميمة إلى جعلها خصيصة ذات ميزة للعرب قبل الإسلام ، وذلك بحذف صفة الجاهليّة وإضافة لفظة «الغيرة» إلى «الحميّة».
والحقيقة هي أنّ الحميّة صفة ذميمة ، إذ هي تعني أن يكون النصر للقبيلة وذوي القرابة فقط ، وإنّ العون لا بدّ وأن يمحّض لهم ظالمين كانوا أو مظلومين فلا بدّ من الوقوف إلى جانب ابن القبيلة سواء كان الحقّ له أو عليه ، حتّى قال شاعرهم يمتدحهم بذلك :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم |
|
في النائبات على ما قال برهانا (١) |
وفي المقابل تتحمّل القبيلة عنه كلّ جناية وجريمة يرتكبها ، وتحميه من كلّ من أراده بسوء. وهذا هو التعصّب القبلي الذي لا يرحم ولا يلين. فالتعصب القبلي كان من مميّزات الإنسان العربي وخصائصه.
ومن الطبيعي أن يكون شعور أفراد كلّ قبيلة بالنسبة لأبناء قبيلتهم قويّا جدّا ، وذلك بدافع من شعورهم بالحاجة إلى قبائلهم للدفاع عن أنفسهم.
وهذا هو السرّ في شجاعتهم أيضا ، وذلك أنّهم بحكم بيئتهم وحياتهم في الصحراء بلا حواجز وموانع طبيعيّة أو غيرها ، كانوا يشعرون بحاجتهم إلى حماية أنفسهم والدفاع عنها ، ولا يردّ عنه إلّا يده وسيفه ثمّ أهله وعشيرته ، وهو يرى نفسه في كلّ حين عرضة للغزو والنهب والسّلب والغارات والثارات.
إنّ حياة البادية والغزو المفاجئ وعمليات الاغتيال ثأرا التي كانت تهدّدهم
__________________
(١) الشاعر : قريط بن اُنيف من شعراء الجاهلية كما في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ٢٧ ، ٢٩.