دائما ، كلّ ذلك كان يستدعي سرعة الإقدام ومباشرة العمل فورا ، فإذا اضيف إلى ذلك عدم شعورهم بالمسؤوليّة عمّا يفعلون ، فإنّ الإقدام بلا تروّ ولا تريّث لا بدّ وأن يصبح هو الصّفة المميّزة لهم والطّاغية على تصرّفاتهم .. ولذا فقد قلّ أن تجد فيهم حليما.
وأخيرا فقد نعى القرآن الكريم على الجاهليّة هذه الحميّة فعبّر عنها بالحمية الجاهليّة ، وهذا يعني أنّها كانت من دون تثبّت في الفكر والرأي بل للجهل ، فكيف تكون ميزة؟!
أجل إنّ الإسلام حاول أن يضع هذه الحميّة في خطّها الصحيح وأن يجعلها تنطلق من قواعد إنسانيّة وعواطف حقيقيّة وفضائل أخلاقيّة ، وبالأخصّ من إحساس دينيّ صحيح ، وأن يستفيد منها في بناء الامّة على اسس صحيحة وسليمة. فقد حاول أن يوجّه العصبيّة القبليّة وجهة بنّاءة ويقضي على كلّ عناصر الشر والانحراف فيها ، فدعى إلى برّ الوالدين وإلى صلة الرحم ، وجعل ذلك من الواجبات وذلك لربط الامّة المسلمة بعضها ببعض. وفي الوقت نفسه أدان كلّ تعصب لغير الحقّ وندّد به وعاقب عليه ، واعتبر ذلك من دعوات الجاهليّة المنتنة كما جاء في بعض نصوص الاحاديث. وكذلك حاول أن يوجّه غيرتهم وحميّتهم وشدّتهم إلى حيث قال تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)(١).
بناء الكعبة المعظّمة :
يجدر بنا ونحن نحاول دراسة التأريخ الإسلامي أن نتعرّف على تأريخ بناء الكعبة في مكة المكرمة ، وذلك يجرّنا إلى البدء بتأريخ بانيها إبراهيم عليهالسلام ، فلنبدأ به :
__________________
(١) الفتح : ٢٩.