إنّ عدم وجود حكومة متنفّذة بينهم تضرب على أيدي الطغاة والبغاة من ناحية ، ومن ناحية اخرى سوء الوضع الجغرافي للجزيرة من حيث الماء والكلأ ، كانا عاملين جعلا أكثر العرب من البدو الرحّل يجوبون الصحاري برواحلهم كلّ عام سعيا وراء الماء والكلأ ، وإذا رأوا أثرا منهما نصبوا خيامهم حولها ، وإذا علموا ـ أو أخبرهم رائدهم ـ بمكان أنفع ممّا هم فيه بدءوا الرحلة من جديد.
إنّ الجهل والفقر وفقدان النظام كان قد خيّم على بيئة الجزيرة العربية بصورة ظاهرة بحيث أصبحت لهم تلك العادات القبيحة امورا اعتيادية ، فكثرت فيهم الغارات ، واسر بعضهم ، وتداول فيهم الربا والخمر والميسر.
انّهم كانوا يثنون على المروّة ويمجّدون بالشجاعة ، لكنّ مفهوم الشجاعة لديهم كان عبارة عن قتل أكبر عدد ممكن وسفك الدّماء أكثر فأكثر. وكذلك الغيرة كانت لديهم بمعنى وأد البنات في القبور وهنّ أحياء. ويرون الوفاء ان ينصروا عشيرتهم وحلفاءهم في كلّ شيء سواء كانوا على حقّ أم باطل.
قومٌ إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم |
|
طاروا اليه زرافات ووحدانا |
لا يسألون أخاهم حين يندبهم |
|
في النائبات على ما قال برهانا |
هل كانت للعرب حضارة قبل الإسلام؟
لا شكّ أنّه كانت هناك في جزيرة العرب بعض الحضارات ، إلّا أنّها لم تكن في كلّ الجزيرة بل عدّة نقاط منها ، كحضارة قوم سبأ أصحاب سدّ مأرب في اليمن ، فإنّها حضارة لا تنكر ، ففضلا عمّا ذكر عنها في التوراة الحاضرة وما نقل عن «هرودوت» و «ارتميدور» المؤرخين اليونانيّين قبل الميلاد ، نرى المؤرخ الشهير المسعودي يقول في وصفها :