بقي الكلام في أنّه مع الإغماض عن حكم العقل وعن هذه العمومات اللفظيّة هل يمكن التمسّك باستصحاب عدم جعل الحجّية في المقام بناء على جريان استصحاب عدم الجعل في الأحكام أم لا يمكن جريان استصحاب عدم الجعل في خصوص المقام وإن قلنا بجريانه في بقيّة موارد الشكّ في الجعل؟
ذكر الميرزا النائيني قدسسره عدم جواز جريان الاستصحاب في خصوص المقام (١) وذلك لما هو معلوم من أنّ المستصحب سواء كان حكما من الأحكام الشرعيّة أم موضوعا من الموضوعات الخارجيّة إنّما يجري فيه الاستصحاب إذا كان هناك أثر شرعي مترتّب على الوجود الواقعي لذلك الحكم الشرعي أو الموضوع الخارجي ، فبالاستصحاب يثبت وجود ذلك الشيء تعبّدا ، وبدليل حجّية الاستصحاب يثبت وجوده الواقعي تعبّدا ، مثلا الوجوب الواقعي أثره لزوم العمل ، والملكيّة الواقعيّة أثرها جواز تصرّف المالك ، والخمر الواقعي أثره الحرمة ولزوم الاجتناب وتنجيس الملاقي لها. وكلّ هذه الأحكام المذكورة مترتّبة على الوجود الواقعي لهذه الأشياء ، فإذا شكّ في بقاء الوجوب والملكيّة والخمريّة فبالاستصحاب يثبت وجودها الواقعي تعبّدا فتترتّب عليه هذه الأحكام.
أمّا إذا لم يكن الأثر للوجود أو العدم الواقعيّين وإنّما كان الحكم من الأحكام المترتّبة على الجهل بالواقع فلا حاجة حينئذ إلى إثبات الوجود أو العدم الواقعيّين لعدم جدواهما حسب الفرض ، إذ الفرض أنّ الوجود الواقعي لا أثر له وإنّما الأثر للجهل بالواقع فلا يكون للاستصحاب حينئذ فائدة أصلا. وكذا إذا كان الأثر مترتّبا على الجهل بالحكم الواقعي وعلى عدم ثبوت الحكم الواقعي واقعا فلا يجري الاستصحاب حينئذ ، إذ بمجرّد الشكّ الّذي هو من مقدّمات الاستصحاب يحصل الموضوع للحكم الشرعي وهو الجهل ، فلا حاجة إلى الاستصحاب لإثبات موضوع
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ١٤٨.